وقوله تعالى : { سلام } جوز أن يكون بدلاً من { ما } [ يس : 57 ] بدل بعض من كل ولزوم الضمير غير مسلم ، وقوله تعالى : { قَوْلاً } مفعول مطلق لفعل محذوف والجملة صفة لاسماً ، وقوله تعالى : { مّن رَّبّ رَّحِيمٍ } صفة { قَوْلاً } أي سلام يقال لهم قولاً من جهة رب رحيم أي يسلم عليهم من جهته تعالى بلا واسطة تعظيماً لهم . فقد أخرج ابن ماجه وجماعة عن جابر قال : " قال النبي صلى الله عليه وسلم بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرعوا رؤسهم فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا أهل الجنة وذلك قول الله تعالى : { سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ } قال فينظر إليه وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم " وقيل بواسطة الملائكة عليهم السلام لقوله تعالى : { والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ سلام عَلَيْكُمُ } [ الرعد : 23 ، 24 ] وروى ذلك عن ابن عباس وعلى الأول الأكثرون ، وأما ما قيل إن ذلك سلام الملائكة على المؤمنين عند الموت فليس بشيء ، والبدلية المذكورة مبنية على أن ما عامة .
وجوز أن يكون بدل كل من كل على تقدير أن يراد بها خاص أو على ادعاء الاتحاد تعظيماً ، ولا بأس في إبدال هذه النكرة منها على تقدير موصوليتها لأنها نكرة موصوفة بالجملة بعدها ، على أنه يجوز أن يلتزم جواز إبدال النكرة من المعرفة مطلقاً من غير قبح . ويجوز أن يكون { سلام } خبر مبتدأ محذوف والجملة بعده صفته أي هو أو ذلك سلام يقال قولاً من رب رحيم ، والضمير لما وكذا الإشارة ، وجوز أن يكون صفة لما أي لهم ما يدعون سالم أو ذو سلامة مما يكره ، و { قَوْلاً } مصدر مؤكد لقوله تعالى : { لَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } [ يس : 75 ] سلام أي عدة من رب رحيم ، وهذه الوصفية على تقدير كون ما نكر موصوفة ولا يصح على تقدير كونها موصولة للتخالف تعريفاً وتنكيراً وأن يكون خبراً لما ، و { لَهُمْ } متعلق به لبيان الجهة كما يقال لزيد الشرف متوفر أي ما يدعون سالم لهم خالص لا شوب فيه ، ونصب { قَوْلاً } على ما سمعت آنفاً .
وفي «الكشاف » الأوجه أن ينتصب على الاختصاص وهو من محازه فيكون الكلام جملة مفصولة عما سبق ولا ضير في نصب النكرة على ذلك ، وجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف أي ولهم سلام يقال قولاً من رب رحيم ، وقد الخبر مقدماً لتكون الجملة على أسلوب أخواتها لا ليسوغ الابتداء بالنكرة فإن النكرة موصوفة بالجملة بعدها ، وظاهر كلامهم تقدير العاطف أيضاً ويمكن أن لا يقدر ، وفصل الجملة على ما قيل لأنها كالتعليل لما تضمنته لآي قبلها فإن سلام الرب الرحيم منشأ كل تعظيم وتكريم ، وجوز على تقدير كونه مبتدأ تقدير الخبر المحذوف عليهم ؛ قال الإمام : فيكون ذلك إخباراً من الله تعالى في الدنيا كأنه سبحانه حكى لنا وقال جل شأنه :
{ إِنَّ أصحاب اليوم فِى شُغُلٍ } [ يس : 55 ] ثم لما كمل بيان حالهم قال : { سلام عَلَيْهِمْ } وهذا كما قال سبحانه : { سلام على نُوحٍ } [ الصافات : 79 ] { وسلام على المرسلين } [ الصافات : 181 ] فيكون جل وعلا قد أحسن إلى عباده المؤمنين كما أحسن إلى عباده المرسلين ثم قال : وهذا وجه مبتكر جيد ما يدل عليه فنقول : أو نقول تقديره سلام عليكم ويكون هذا نوعاً من الالتفات حيث قال تعالى لهم كذا وكذا ثم قال سبحانه : { سلام عَلَيْكُمُ } اه . ووجه الابتداء بسلام في مثل هذا التركيب موصوفاً كان أم لا معروف عند أصاغر الطلبة . وقرأ محمد بن كعب القرظي { سلام } بكسر السين وسكون اللام ومعناه سلام . وقال أبو الفضل الرازي : مسالم لهم أي ذلك مسالم وليس بذاك .
وقرأ أبي . وعبد الله . وعيسى . والغنوي { سَلاَماً } بالنصب على المصدر أي يسلم عليهم سلاماً أو على الحال من ضمير ما في الخبر أو منها على القول بجواز مجيء من المبتدأ أي ولهم مرادهم خالصاً .
ولهم أيضا { سَلَامٌ } حاصل لهم { مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ } ففي هذا كلام الرب تعالى لأهل الجنة وسلامه عليهم ، وأكده بقوله : { قَوْلًا } وإذا سلم عليهم الرب الرحيم ، حصلت لهم السلامة التامة من جميع الوجوه ، وحصلت لهم التحية ، التي لا تحية أعلى منها ، ولا نعيم مثلها ، فما ظنك بتحية ملك الملوك ، الرب العظيم ، الرءوف الرحيم ، لأهل دار كرامته ، الذي أحل عليهم رضوانه ، فلا يسخط عليهم أبدا ، فلولا أن اللّه تعالى قدر أن لا يموتوا ، أو تزول قلوبهم عن أماكنها من الفرح والبهجة والسرور ، لحصل ذلك .
فنرجو ربنا أن لا يحرمنا ذلك النعيم ، وأن يمتعنا بالنظر إلى وجهه الكريم .
قوله تعالى : { سلام قولاً من رب رحيم } أي : يقول الله لهم قولاً .
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أنبأنا عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن ، حدثني أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى الملحمي الأصفهاني ، أنبأنا الحسن بن أبي علي الزعفراني ، أنبأنا ابن أبي الشوارب ، أنبأنا أبو عاصم العباداني ، أنبأنا الفضل الرقاشي ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم ، فإذا الرب تعالى قد أشرف عليهم من فوقهم ، فقال : السلام عليكم يا أهل الجنة ، فذلك قوله : { سلام قولا من رب رحيم } فينظر إليهم وينظرون إليه ، فلا يلتفتون إلي شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم فيبقى نوره بركة عليهم في ديارهم " وقيل : يسلم عليهم الملائكة في ديارهم . وقيل : تلسم عليهم الملائكة من ربهم ، وقال مقاتل : تدخل الملائكة على أهل الجنة من كل باب يقولون : سلام عليكم يا أهل الجنة من ربكم الرحيم . وقال : يعطيهم السلامة ، يقول : اسلموا السلامة الأبدية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.