روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{ثُمَّ بَعَثۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِم مُّوسَىٰ وَهَٰرُونَ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ بِـَٔايَٰتِنَا فَٱسۡتَكۡبَرُواْ وَكَانُواْ قَوۡمٗا مُّجۡرِمِينَ} (75)

{ ثُمَّ بَعَثْنَا } عطف على { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إلى قَوْمِهِمْ } [ يونس : 74 ] عطف قصة على قصة { مّن بَعْدِهِمْ } أي من بعد أولئك الرسل عليهم السلام { موسى وهارون } أوثر التنصيص على بعثتهما عليهما السلام مع ضرب تفصيل إيذاناً بخطر شأن القصة وعظم وقعها { إلى فِرْعَوْنَ } أي أشراف قومه الذين يحتمعون على رأي فيملأون العين رواء والنفوس جلالة وبهاء ، وتخصيصهم بالذكر لأصالتهم في إقامة المصالح والمهمات ومراجعة الكل إليهم في النوازل والملمات ، وقيل : المراد بهن هنا مطلق القوم من استعمال الخاص في العام { جَاءهُم بئاياتنا } أي أدلتنا ومعجزاتنا وهي الآيات المفصلات في الاعراف والباء للملابسة أي متلبسين بها { فاستكبروا } أي تكبروا وأعجبوا بأنفسهم وتعظموا عن الاتباع ، والفاء فصيحة أي فأتياهم فبلغاهم الرسالة فاستكبروا ، وأشير بهذا الاستكبار إلى ما وقع منهم أول الأمر من قول اللعين لموسى عليه السلام : { أَلَمْ نُرَبّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ } [ الشعراء : 18 ] وغير ذلك { وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } جملة معترضة تذييلية وجوز فيها الحالية بتقدير قد ، وعلى الوجهين تفيد اعتيادهم الاجرام وهو فعل الذنب العظيم ، أي وكانوا قوماً شأنهم ودأبهم ذلك .

وقد يؤخذ مما ذكر تعليل استكبارهم ، والحمل على العطف الساذج لا يناسب البلاغة القرآنية ولا يلائمها فمعلوم هذا القدر من سوابق أوصافهم .