روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا لِتَلۡفِتَنَا عَمَّا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلۡكِبۡرِيَآءُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا نَحۡنُ لَكُمَا بِمُؤۡمِنِينَ} (78)

{ قَالُواْ أَجِئْتَنَا } الخ مسوق لبيان أنه عليه السلام ألقمهم الحجر فانقطعوا عن الاتيان بكلام له تعلق بكلامه عليه السلام فضلاً عن الجواب الصحيح واضطروا إلى التشبث بذيل التقليد الدي هو دأب كل عاجز محجوج وديدن كل معالج لجوج على أنه استئناف وقع جواباً عما قبله من كلامه صلى الله عليه وسلم على طريقة { قَالَ موسى } [ يونس : 77 ] كما أشير إليه كأنه قيل : فماذا قالوا لموسى عليه السلام حين قال لهم ما قال ؟ فقيل : قالوا عاجزين عن المحاجة : أجئتنا { لِتَلْفِتَنَا } أي لتصرفنا ، وبين اللفت والفتل مناسبة معنوية واشتقاقية وقد نص غير واحد على أنهما أخوان وليس أحدهما مقلوباً من الآخر كما قال الأزهري { عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا } أي من عبادة غير الله تعالى ، ولا ريب في أن ذلك إنما يتسنى بكون ما ذكر من تتمة كلامه عليه السلام على الوجه الذي شرح إذ على تقدير كونه محكياً من قبلهم يكون جوابه عليه السلام خالياً عن التبكيت الملجىء لهم إلى العدول عن سنن المحاجة ، ولا ريب في أنه لا علاقة بين قولهم : { أَجِئْتَنَا } الخ وبين إنكاره عليه السلام لما حكي عنهم مصححة لكونه جواباً عنه ، وهذا ظاهر إلا على من حجب عن إدراك البديهيات ، وبالجملة الحق أن لا وجه لذلك التجويز بوجه والانتصار له من الفضول كما لا يخفى { وَتَكُونَ لَكُمَا الكبرياء } أي الملك كما ريو عن مجاهد فهو من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم ، وعن الزجاج أنه إنما سمي الملك كبرياء لأنه أكبر ما يطلب من أمر الدنيا ، وقيل : أي العظمة والتكبر على الناس باستتباعهم . وقرأ حماد بن يحيى عن أبي بكر . وزيد عن يعقوب { يَكُونَ } بالياء التحتانية لأن التأنيث غير حقيقي مع وجود الفاصل .

{ فِى الارض } أي أرض مصر ، وقيل : أريد الجنس ، والجار متعلق بتكون أو بالكبرياء أو بالاستقرار في لكما لوقوعه خبراً أو بمحذوف وقع حالاً من { الكبرياء } أو من الضمير في { لَّكُمَا } لتحمله إياه { وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ } أي بمصدقين فيما جئتما به أصلاً ، وفيه تأكيد لما يفهم من الإنكار السابق ، والمراد بضمير المخاطبين موسى وهارون عليهما السلام ، وإنما لم يفردوا موسى عليه السلام بالخطاب هنا كما أفردوه به فيما تقدم لأنه المشافه لهم بالتوبيخ والإنكار تعظيماً لأمر ما هو أحد سبى الأعراض معنى ومبالغة في إغاظة موسى عليه السلام وإقناطه عن الإيمان بما جاء به ، وفي إرشاد العقل السليم أن تثنية الضمير في هذين الموضعين بعد أفراده فيما تقدم من المقامين باعتبار شمول الكبرياء عليهما السلام واستلزام التصديق لأحدهما التصديق للآخر ، وأما اللفت والمجيء له فحيث كانا من خصائص صاحب الشريعة أسند إلى موسى عليه السلام خاصة انتهى فتدبر