التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِ ٱلۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بِـَٔايَٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ} (53)

قوله : { وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ } أي لا تستطيع أن تسدد إلى صواب المحجة من أعماه الله فضل عن سبيله وسلك سبيل الباطل . وهذه حقيقة الكافرين الذين يجحدون الحق ويحادّون الله ورسوله ويكذبون بمنهج الإسلام ويتصدون له بالمكائد والدسائس والمؤامرات والتشكيك أولئك المجرمون بور قد عموا عن رؤية الحق رؤية استبصار وتدبر ، وصَموا عنه صمم الشاردين المستكبرين الموغلين في اللجاجة والعناد . أولئك جميعا لا يستطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهديهم إلى الحق ، فيهتدوا ، أو يرشدهم إلى محجة الإسلام فيرشدوا . وكذلك لا يستطيع الداعون إلى منهج الإسلام في كل زمان ومكان أن يحملوا المكابرين والمعاندين من الجاحدين على القناعة والتصديق ؛ لأن هؤلاء أولوا أذهان وإرادات وهمم مسلوبة ، فما يجنحون بعد ذلك إلا للهوى والفسق والباطل .

وعلى هذا ، فإنه حقيق بالمؤمنين الداعين إلى منهج الإسلام في كل زمان أن يجتهدوا في دعوة الطيبين من الناس ، أولي الفطر السوية والطبائع السليمة ؛ أولئك المبرأون من الخلل والعيوب النفسية والفطرية ، لا جرم أن هؤلاء المبرأين من عيوب النفس وأمراضها مهيأون وحدهم لاستقبال العقيدة الإسلامية ، وتدبر التعاليم والمعاني التي جاء بها هذا الدين الحنيف .

قوله : { إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ } أي لا تُسمع يا محمد سماع تصديق وتدبُّر إلا الذين آمنوا بآياتنا ؛ فهؤلاء مصدقون موقنون أن الذي جئتهم به حق ؛ فهم يبادرون السماع والانتفاع بخير ما يسمعون ؛ لأنهم مستسلمون لأمر الله ، مذعنون له بالخضوع والطاعة .

أما غلاظ الطبائع ، قساة القلوب من المعاندين العتاة فإنهم لا يستجيبون لدعوتك لهم ، ولا يصيخون لندائك إياهم بأنهم أشرار قد فسدت فيهم الفطرة وجنحت فيهم الطبائع والعقول .