السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمَآ أَنتَ بِهَٰدِ ٱلۡعُمۡيِ عَن ضَلَٰلَتِهِمۡۖ إِن تُسۡمِعُ إِلَّا مَن يُؤۡمِنُ بِـَٔايَٰتِنَا فَهُم مُّسۡلِمُونَ} (53)

{ وما أنت بهادي العمي } أي : بموجد لهم هداية { عن ضلالتهم } إذا ضلوا عن الطريق ، وقرأ حمزة بتاء الخطاب مفتوحة وسكون الهاء والعمي بنصب الياء ، والباقون بالباء الموحدة مكسورة وفتح الهاء والعمي بالخفض .

تنبيه : قد جعل الله تعالى الكافر بهذه الصفات وهو أنه شبهه أولاً بالميت ، وإرشاد الميت محال والمحال أبعد من الممكن ، ثم بالأصم وإرشاد الأصم صعب فإنه لا يسمع الكلام وإنما يفهم بالإشارة والإفهام بالإشارة صعب ، ثم بالأعمى وإرشاد الأعمى أيضاً صعب فإنك إذا قلت له مثلاً : الطريق عن يمينك فإنه يدور إلى يمينه لكنه لا يبقى عليه بل يتحير عن قريب ، فإرشاد الأصم أصعب . ولهذا تكون المعاشرة مع الأعمى أسهل من المعاشرة مع الأصم الذي لا يسمع لأنّ غايته الإفهام وليس كل ما يفهم بالكلام يفهم بالإشارة فإنّ المعدوم والغائب لا إشارة إليه ، فبدأ أولاً بالميت لأنه أعلى ثم بالأدون منه وهو الأصم ، وقيده بقوله تعالى : { إذا ولوا مدبرين } ليكون أدخل في الامتناع لأنّ الأصم ، وإن كان يفهم فإنما يفهم بالإشارة فإذا ولى لا يكون نظره إلى المشير ، فامتنع إفهامه بالإشارة أيضاً ثم بأدنى منه وهو الأعمى لما مرّ . ثم قال تعالى { إن } أي : ما { تسمع } أي : سماع إفهام وقبول { إلا من يؤمن بآياتنا } أي : القرآن فأثبت للمؤمن استماع الآيات فلزم أن يكون المؤمن حياً سميعاً بصيراً لأن المؤمن ينظر في البراهين ويسمع زواجر الوعظ فتظهر منه الأفعال الحسنة ويفعل ما يجب عليه { فهم مسلمون } أي : مطيعون كما قال تعالى عنهم { وقالوا سمعنا وأطعنا } ( البقرة : 285 ) .