التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِنِّي عُذۡتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمۡ أَن تَرۡجُمُونِ} (20)

وجملة { وإني عذت بربي } عطف على جملة { أدوا إلي عباد الله } ، فإن مضمون هذه الجملة مما شمله كلامه حين تبليغ رسالته فكان داخلاً في مجمل معنى { وجاءهم رسول كريم } المفسرُ بما بعد { أنْ } التفسيرية . ومعناه : تحذيرهم من أن يرجموه لأن معنى { عذت بربي } جعلتُ ربي عوذاً ، أي مَلْجَأ . والكلام على الاستعارة بتشبيه التذكير بخوف الله الذي يمنعهم من الاعتداء عليه بالالتجاء إلى حصن أو معقل بجامع السلامة من الاعتداء . ومثل هذا التركيب ممّا جرى مجرى المثل ، ومنه قوله في سورة مريم ( 18 ) { قالت إنّي أعوذ بالرحمان منك إن كنتَ تقياً } وقال أحَدُ رُجّاز العرب :

قالت وفيها حَيْدة وذُعْر *** عَوْذ بربي منكمُ وحِجْر

والتعبير عن الله تعالى بوصف { ربي وربكم } لأنه أدخل في ارعوائهم من رجمه حين يتذكرون أنه استعصم بالله الذي يشتركون في مربوبيته وأنهم لا يخرجون عن قدرته .

والرجم : الرمي بالحجارة تباعاً حتى يموت المرمِي أو يثخنه الجراح . والقصد منه تحقير المقتول لأنهم كانوا يرمون بالحجارة من يطردونه ، قال : { فاخرُج منها فإنك رجيمٌ } [ الحجر : 34 ] .

وإنّما استعاذ موسى منه لأنه علم أن عادتهم عقاب من يخالف دينهم بالقتل رمياً بالحجارة . وجاء في سورة القصص ( 33 ) { فأخاف أن يقْتلون } ومعنى ذلك إن لم تؤمنوا بما جئت به فلا تقتلوني ، كما دل عليه تعقيبه بقوله : { وإن لم تؤمنوا لي } .

والمعنى : إن لم تؤمنوا بالمعجزة التي آتيكم بها فلا ترجموني فإني أعوذ بالله من أن ترجموني ولكن اعتزلوني فكونوا غير موالين لي وأكون مع قرمي بني إسرائيل ، فالتقدير : فاعتزلوني وأعتزلكم لأن الاعتزال لا يتحقق إلا من جانبين .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَإِنِّي عُذۡتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمۡ أَن تَرۡجُمُونِ} (20)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

فاستعاذ موسى فقال: {وإني عذت بربي وربكم}...

{أن ترجمون} يعني أن تقتلون...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وَإنيّ عُذْتُ بِرَبّي وَرَبّكُمْ أنْ تَرْجُمُونَ" يقول: وإني اعتصمت بربي وربكم، واستجرت به منكم أن ترجمون.

واختلف أهل التأويل في معنى الرجم الذي استعاذ موسى نبيّ الله عليه السلام بربه منه، فقال بعضهم: هو الشتم باللسان...

وقال آخرون: بل هو الرجم بالحجارة...

وقال آخرون: بل عنى بقوله: "أنْ تَرْجُمُونِ": أن تقتلوني.

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما دلّ عليه ظاهر الكلام، وهو أن موسى عليه السلام استعاذ بالله من أن يرجُمه فرعون وقومه، والرجم قد يكون قولاً باللسان، وفعلاً باليد. والصواب أن يقال: استعاذ موسى بربه من كل معاني رجمهم الذي يصل منه إلى المرجوم أذًى ومكروه، شتما كان ذلك باللسان، أو رجما بالحجارة باليد.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

لا يحتمل أن يكون هذا الكلام من موسى عليه السلام على ابتداء بلا سبب كان من فرعون ولا أمر سبق؛ فكان سببه ونازلتُه، والله أعلم، هو ما ذكر في سورة أخرى حين قال: {ذروني أقتل موسى وليدع ربه} الآية [غافر: 26].

لمّا قال فرعون ذلك، وهمّ أن يقتل موسى، قال له موسى عند ذلك: {وإني عُذت بربي وربكم أن ترجمون}: في ذلك دلالة أنه آية من آيات الله [آيات] الرسالة؛ لأنه لما قال فرعون: {ذروني أقتل موسى وليدع ربه} ليمنعني عن قتله، فقال: {وإني عُذت بربي وربكم} الآية، دلّ هذا القول على أنه علِم قول فرعون وقصده بقتله وتعبيره بالدعاء إلى الله ليمنعه عن ذلك، وعلِم أن الله تعالى يعصمه عن شرّه وكيده متى قال ذلك.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ} فيه وجهان:

أحدهما: لجأت إلى ربي وربكم.

الثاني: استغثت، والفرق بينهما أن الملتجئ مستدفع والمستغيث مستنصر.

{بَرَبِّي وَرَبِّكُمْ} أي ربي الذي هو ربكم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

معناه أنه عائذ بربه متكل على أنه يعصمه منهم ومن كيدهم، فهو غير مبال بما كانوا يتوعدونهُ به من الرجم والقتل...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان من العجائب أن يقتل منهم نفساً ثم يخرج فاراً منهم ثم يأتي إليهم لا سيما إتياناً يقاهرهم فيه، في أمر عظيم من غير أن يقع بينهم وبينه ما يمحو ما تقدم منه، نبههم على إتيانه هذا على هذا الحال آية أخرى دالة على السلطان، فقال مؤكداً تكذيباً لظنهم أنه في قبضتهم: {وإني عذت} أي اعتصمت وامتنعت.

{بربي} الذي رباني على ما اقتضاه لطفه بي وإحسانه إليّ.

{وربكم} الذي أعاذني من قتلكم لي بكم على ما دعت إليه حكمته من جبروتكم وتكبركم وقوة مكنتكم.

{أن ترجمون} أي أن يتجدد في وقت من الأوقات قتل منكم لي، ما أتيتكم حتى توثقت من ربي في ذلك، فإني قلت {إني أخاف أن يقتلون} فقال {سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما بآياتنا} [القصص: 38] فهو من أعظم آياتي أن لا تصلوا على قوتكم وكثرتكم إلى قتلي مع أنه لا قوة لي بغير الله الذي أرسلني.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{وإني عذت بربي} عطف على جملة {أدوا إلي عباد الله}، فإن مضمون هذه الجملة مما شمله كلامه حين تبليغ رسالته فكان داخلاً في مجمل معنى {وجاءهم رسول كريم} المفسرُ بما بعد

{أنْ} التفسيرية. ومعناه: تحذيرهم من أن يرجموه لأن معنى {عذت بربي} جعلتُ ربي عوذاً، أي مَلْجَأ. والكلام على الاستعارة بتشبيه التذكير بخوف الله الذي يمنعهم من الاعتداء عليه بالالتجاء إلى حصن أو معقل بجامع السلامة من الاعتداء، ومثل هذا التركيب ممّا جرى مجرى المثل، ومنه قوله في سورة مريم (18) {قالت إنّي أعوذ بالرحمان منك إن كنتَ تقياً}.

والتعبير عن الله تعالى بوصف {ربي وربكم}؛ لأنه أدخل في ارعوائهم من رجمه حين يتذكرون أنه استعصم بالله الذي يشتركون في مربوبيته وأنهم لا يخرجون عن قدرته.

والرجم: الرمي بالحجارة تباعاً حتى يموت المرمِي أو يثخنه الجراح. والقصد منه تحقير المقتول لأنهم كانوا يرمون بالحجارة من يطردونه، قال: {فاخرُج منها فإنك رجيمٌ} [الحجر: 34].

وإنّما استعاذ موسى منه لأنه علم أن عادتهم عقاب من يخالف دينهم بالقتل رمياً بالحجارة. وجاء في سورة القصص (33) {فأخاف أن يقْتلون} ومعنى ذلك إن لم تؤمنوا بما جئت به فلا تقتلوني كما دل عليه تعقيبه بقوله: {وإن لم تؤمنوا لي}.

والمعنى: إن لم تؤمنوا بالمعجزة التي آتيكم بها فلا ترجموني فإني أعوذ بالله من أن ترجموني، ولكن اعتزلوني فكونوا غير موالين لي وأكون مع قرمي بني إسرائيل، فالتقدير: فاعتزلوني وأعتزلكم؛ لأن الاعتزال لا يتحقق إلا من جانبين.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

لما كان المستكبرون وعبيد الدنيا لا يدعون أي تهمة وافتراء، إلاّ وألصقوهما بمن يرونه مخالفاً لمنافعهم ومصالحهم اللامشروعة بل لا يتورعون حتى عن قتله وإعدامه، لذا فإنّ موسى (عليه السلام) يضيف للحد من مسلكهم هذا (وإنّي عذت بربّي وربّكم أن ترجمون). إنّ هذا التعبير لعله إشارة إلى أنّي لا أخاف تهديداتكم، وسأصمد حتى آخر نفس، والله حافظي وحارسي، وكانت مثل هذه التعبيرات تمنح القادة الإِلهيين حزماً أكبر في دعوتهم، وتزيد في انهيار إرادة الأعداء ومعنوياتهم، وتزيد من جانب آخر ثبات المحبين والمؤمنين واستقامتهم؛ لأنّهم يعلمون أن إمامهم وقائدهم يقاوم حتى اللحظات الأخيرة. وربّما كان التأكيد على مسألة الرجم من جهة أن كثيراً من رسل الله قبل موسى (عليه السلام) قد هددوا بالرجم، ومن جملتهم نوح (عليه السلام) (قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين) وكذلك الحال بالنسبة إلى إبراهيم (عليه السلام) لما هدده آزر وقال له: (لئن لم تنته لأرجمنك).

أمّا اختيار الرجم من بين أنواع القتل، فلأنّه أشدّها جميعاً، وعلى قول بعض أرباب اللغة، فإن هذه الكلمة جاءت بمعنى مطلق القتل أيضاً.