التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{فَأَمَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَعَسَىٰٓ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلۡمُفۡلِحِينَ} (67)

تخلل بين حال المشركين ذكر حال الفريق المقابل وهو فريق المؤمنين على طريقة الاعتراض لأن الأحوال تزداد تميزاً بذكر أضدادها ، والفاء للتفريع على ما أفاده قوله { فعميت عليهم الأنباء } [ القصص : 66 ] من أنهم حق عليهم العذاب .

ولما كانت ( أما ) تفيد التفصيل وهو التفكيك والفصل بين شيئين أو أشياء في حكم فهي مفيدة هنا أن غير المؤمنين خاسرون في الآخرة وذلك ما وقع الإيماء إليه بقوله { فهم لا يتساءلون } [ القصص : 66 ] فإنه يكتفى بتفصيل أحد الشيئين عن ذكر مقابله ومنه قوله تعالى { فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضلء } [ النساء : 175 ] أي وأما الذين كفروا بالله فبضد ذلك .

والتوبة هنا : الإقلاع عن الشرك والندم على تقلده . وعطف الإيمان عليها لأن المقصود حصول إقلاع عن عقائد الشرك وإحلال عقائد الإسلام محلها ولذلك عطف عليه { وعمل صالحاً } لأن بعض أهل الشرك كانوا شاعرين بفساد دينهم وكان يصدهم عن تقلد شعائر الإسلام أسباب مغرية من الأعراض الزائلة التي فتنوا بها .

و ( عسى ) ترج لتمثيل حالهم بحال من يرجى منه الفلاح . و { أن يكون من المفلحين } أشد في إثبات الفلاح من : أن يفلح ، كما تقدم غير مرة .