التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٞ كَبِيرٌ} (7)

استئناف ابتدائي يفيد مفاد الفذلكة والاستنتاج مما تقدم . وهذا الاستئناف يومىء إلى أن الذين كفروا هم حزب الشيطان لأنه لما ذكر أن حزبه من أصحاب السعير وحكم هنا بأن الذين كفروا لهم عذاب شديد علم أن الذين كفروا من أصحاب السعير إذ هو العذاب الشديد فعلم أنهم حزب الشيطان بطريقة قياس مطويّ ، فالذين كفروا هم حزب الشيطان لعكوفهم على متابعته وإن لم يُعلنوا ذلك لاقتناعه منهم بملازمة ما يمليه عليهم .

وأما المؤمنون العصاة فليسوا من حزبه لأنهم يعلمون كيده ولكنهم يتبعون بعض وسوسته بدافع الشهوات وهم مع ذلك يلعنونه ويتبرأون منه . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع « إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه ولكنه قد رضي منكم بما دون ذلك مما تحقرون من أعمالكم » .

وذكر { والذين آمنوا وعملوا الصالحات } تتميم بأن الذين لم يكونوا من حزبه قد فازوا بالخيرات .

وقد أشارت الآية إلى طرفين في الضلال والاهتداء وطوت ما بين ذينك من المراتب ليُعلم أن ما بين ذلك ينالهم نصيبهم من أشبه أحوالهم بأحوال أحد الفريقين على عادة القرآن في وضع المسلم بين الخوف والرجاء ، والأمل والرهبة .