فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٞ كَبِيرٌ} (7)

{ يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور5 إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير6 الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير 7 }

ختمت الآية السابقة بأن مرد الأمور ومصيرها ، ونهايتها وعاقبتها لله الذي لا ينبغي أن يعبد سواه ، ثم جاءت هذه الآية تنادي الناس إلى اليقين بهذا المآل ، وأن ما وعد ربنا كائن لا محالة ، ) . . له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك . . ( {[3802]} وعنده ثواب العاجلة والآجلة ، فلا تخدعنكم المعيشة الدنيئة ، ولا تلهينكم ولا تطغينكم الزهرة الفانية ، ولا يفتنكم الشيطان عن الإذعان للملك الديان ، إن إبليس لكم أنكى عدو معاند ، يسعى في خبالكم ، ومن قبل أقسم ليهلكنكم : ) . . لأحتنكن ذريته إلا قليلا( {[3803]} لم يكفه إخراج أبينا آدم عليه السلام من الجنة لكنه حلف ليقعدن لنا كل مرصد : )قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم . ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين( {[3804]} . )قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين . إلا عبادك منهم المخلصين( {[3805]} )قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا . واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا( {[3806]} . { فاتخذوه عدوا } بمخالفته ، والحذر من وسوسته ، ومن قبل ذلك عوذوا بالله من شره ، واستديموا العبودية لله تعالى واستكثروا من ذكره ، فإن هؤلاء- بعصمة المولى القدير- مصروف عنهم كيد إبليس ، )إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون . إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون( {[3807]} ، أولئك : )استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون( {[3808]} ، فلن ينالوا باتباعه إلا الهوان والخسران ، وحر السعير وحريق النيران ، وهكذا مصير المجرمين والكافرين ، أما الصالحون المؤمنون فإن التواب الرحيم يتوب عليهم ، ويتجاوز عن سيآتهم ، ويستر ما كان زللهم ، ويتقبل عنهم صالح عملهم ، ويزيدهم في الأجر إحسانا فوق إحسانهم .

يأيها الناس إن وعد الله إياكم على إصراركم على الكفر به وتكذيب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وتحذيركم نزول سطوته بكم على ذلك حق ، فأيقنوا بذلك ، وبادروا حلول عقوبته بكم بالتوبة والإنابة إلى طاعة الله والإيمان به وبرسوله .

{ فلا تغرنكم الحياة الدنيا } يقول : فلا يغرنكم ما أنتم فيه من العيش في هذه الدنيا . . .


[3802]:سورة مريم. من الآية 64.
[3803]:سورة الإسراء. من الآية 62.
[3804]:سورة الأعراف. الآيتان:16، 17.
[3805]:سورة ص. الآيتان: 82، 83.
[3806]:سورة الإسراء. الآيتان:63، 64.
[3807]:سورة النحل. الآيتان: 99، 100.
[3808]:سورة المجادلة. الآية 19.