التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{وَبَدَا لَهُمۡ سَيِّـَٔاتُ مَا كَسَبُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ} (48)

و{ سَيِئَات } جمع سيئة ، وهو وصف أضيف إلى موصوفه وهو الموصول { ما كَسَبُوا } أي مكسوباتِهم السيئاتتِ . وتأنيثها باعتبار شهرة إطلاق السيئة على الفعلة وإن كان فيما كسبوه ما هو من فاسد الاعتقاد كاعتقاد الشركاء لله وإضمار البغض للرسول والصالحين والأحقادِ والتحاسد فجرى تأنيث الوصف على تغليب السيئات العملية مثل الغصْب والقتل والفواحش تغليباً لفظياً لكثرة الاستعمال .

وأوثر فعل { كَسَبُوا } على فعل : عملوا ، لِقطع تبرمهم من العذاب بتسجيل أنهم اكتسبوا أسبابه بأنفسهم ، كما تقدم آنفاً في قوله : { وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون } [ الزمر : 24 ] دون : تعملون .

والحَوْق : الإِحاطة ، أي أحاط بهم فلم ينفلتوا منه ، وتقدم الخلاف في اشتقاقه في قوله تعالى : { ولقد استهزىء برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم } في سورة [ الأنعام : 10 ] .

و { ما كانوا به يستهزءون } هو عذاب الآخرة ، أي يستهزئون بذكره تنزيلاً للعقاب منزلة مُستهَزَء به فيكون الضمير المجرور استعارة مكنية . ولك أن تجعل الباء للسببية وتجعل متعلق { يستهزوءن } محذوفاً ، أي يستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم بسبب ذِكره العذاب . وتقديم { بِهِ } على { يستهزوءن } للاهتمام به وللرعاية على الفاصلة .