التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٞ} (5)

و( مَا ) من قوله : { إنما توعدون } موصولة ، أي إن الذي توعدونه لصادق . والخطاب في { تُوعدون } للمشركين كما هو مقتضى التأكيد بالقسم وكما يقتضيه تعقيبه بقوله : { إنكم لفي قول مختلف } [ الذاريات : 8 ] .

فيتعين أن يكون { توعدون } مشتقاً من الوعيد الذي ماضيه ( أوعد ) ، وهو يبنى للمجهول فأصل { توعدون } تُؤَوْعَدون بهمزة مفتوحة بعد تاء المضارعة وواوٍ بعد الهمزة هي عين فعل ( أوعد ) وبفتح العين لأجل البناء المجهول فحذفت الهمزة على ما هو المطّرد من حذف همزة أفْعَل في المضارع مثل تُكرمون ، وسكنت الواو سكوناً مَيتاً لأجل وقوع الضمة قبلها بعد أن كان سكونها حَيّاً فصار { تُوعَدون } ووزنه تافعلون .

والذي أوُعِدوه عذاب الآخرة وعذاب الدنيا مثل الجوع في سني القحط السبع الذي هو دَعوة النبيء صلى الله عليه وسلم عليهم بقوله : " اللهمّ اجعلها عليهم سنيناً كسنيننِ يوسف " وهو الذي أشار إليه قوله تعالى : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم } الآية في سورة الدخان ( 10 ، 11 ) . ومثل عذاب السيف والأسر يوم بدر الذي توعدهم الله به في قوله : { يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون } [ الدخان : 16 ] . ويجوز أن يكون توعدون من الوعد ، أي الإخبار بشيء يقع في المستقبل مثل قوله : { إن وعد الله حق } [ لقمان : 33 ] فوزنه تُفْعَلُون . والمراد بالوعد الوعد بالبعث .

ووصف { لصادق } مجاز عقلي إذ الصادق هو المُوعد به على نحو { فهو في عيشة راضية } [ الجاثية : 21 ] .

والدين : الجزاء . والمراد إثبات البعث الذي أنكروه .