التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{قَالَ نَعَمۡ وَإِنَّكُمۡ لَمِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ} (114)

جملة : { قالوا إن لنا لأجراً } استئناف بياني بتقدير سؤال من يسأل : ماذا صدر من السحرة حين مثُلوا بين يدي فرعون ؟ .

وقرأ نافع ، وابن كثير ، وحفص ، وأبو جعفر { إن لنا لأجراً } ابتداء بحرف ( إن ) دون همزة استفهام ، وقرأه الباقون بهمزة استفهام قبل ( إن ) .

وعلى القراءتين فالمعنى على الاستفهام ، كما هو ظاهر الجواب ب { نعم } ، وهمزة الاستفهام محذوفة تخفيفاً على القراءة الأولى ، ويجوز أن يكون المعنى عليها أيضاً على الخبرية لأنهم وثقوا بحصول الأجر لهم ، حتى صيروه في حيز المخبر به عن فرعون ، ويكون جواب فرعون ب { نعم } تقريراً لما أخبروا به عنه .

وتنكير { أجراً } تنكير تعظيم بقرينة مقام المَلِك وعظم العمل ، وضمير { نحن } تأكيد لضمير { كنا } إشعاراً بجدارتهم بالغلَب ، وثقتهم بأنهم أعلم الناس بالسحر ، فأكدوا ضميرهم لزيادة تقرير مدلوله ، وليس هو بضمير فصل إذ لا يقصد إرادة القصر ، لأن إخبارهم عن أنفسهم بالغالبين يغني عن القصر ، إذ يتعين أن المغلوب في زعمهم هو موسى عليه السلام .

وقول فرعون { نعم } إجابة عما استفهموا ، أو تقرير لما توسموا : على الاحتمالين المذكورين في قوله : { إن لنا لأجراً } آنفاً ، فحرف ( نعم ) يقرر مضمون الكلام الذي يجاب به ، فهو تصديق بعد الخبر ، وإعلام بعد الاستفهام ، بحصول الجانب المستفهم عنه ، والمعنيان محتملان هنا على قراءة نافع ومن وافقه ، وأما على قراءة غيرهم فيتعين المعنى الثاني .

وعُطف جملة : { إنكم لمن المقربين } على ما تضمنه حرف الجواب إذ التقدير : نعم لكم أجر وإنكم لمن المقربين ، وليس هو من عطف التلقين : لأن التلقين إنما يعتبر في كلامين من متكلميْن لا من متكلم واحد .