المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَوَجَدَكَ عَآئِلٗا فَأَغۡنَىٰ} (8)

والعائل الفقير ، وقرأ اليماني «عيَّلاً » بشد الياء المكسورة ومنه قول الشاعر [ أحيحة ] : [ الوافر ]

وما يدري الفقير متى غناه . . . وما يدري الغني متى يعيل{[11875]}

وأعال : كثر عياله ، وعال : افتقر ، ومنه قول الله تعالى : { وإن خفتم عيلة }{[11876]} [ التوبة : 28 ] وقوله تعالى : { فأغنى } قال مقاتل معناه رضاك بما أعطاك من الرزق ، وقيل فقيراً إليه فأغناك به ، والجمهور على أنه فقر المال وغناه ، والمعنى في النبي صلى الله عليه وسلم أنه أغني بالقناعة والصبر وحببا إليه فقر الحال وغناه ، وقيل أغني بالكفاف لتصرفه في مال خديجة ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قط كثير المال ورفعه الله عن ذلك ، وقال : «ليس الغنى عن كثرة العرض ولكنه غنى النفس »{[11877]} .


[11875]:هذا واحد من أبيات قالها أحيحة بن الجلاح، وهو في معاني القرآن، والجمهرة، واللسان، ومجاز القرآن: فهل من كاهن أو ذي إله إذا ما كان من ربي قفول أراهنه فيرهنني بنيه وأرهنه بني بما أقول وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل وما تدري إذا أزمعت أمرا بأي الأرض يدركك المقيل
[11876]:من الآية 28 من سورة التوبة.
[11877]:أخرجه البخاري في الرقاق، ومسلم في الزكاة، والترمذي وابن ماجه في الزهد، وأحمد في مسنده (2/243، 261، 315، 390). عن أبي هريرة رضي الله عنه.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَوَجَدَكَ عَآئِلٗا فَأَغۡنَىٰ} (8)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

ووجدك فقيرا فأغناك ، يقال منه : عال فلان يَعيل عَيْلَة ، وذلك إذا افتقر . ...

جهود ابن عبد البر في التفسير 463 هـ :

لم يكن غناه- صلى الله عليه وسلم- أكثر من إيجاد قوت سنة لنفسه وعياله ، وكان الغنى كله في قلبه ، ثقة بربه ، وسكونا إلى أن الرزق مقسوم يأتيه منه ما قدر له . ( س : 8/141 ) ...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

ويقال : أغناك عن السؤال حينما أعطاك ابتداءً ؛ بلا سؤالٍ منك ...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

قوله تعالى : { فأغنى } قال مقاتل معناه: رضاك بما أعطاك من الرزق ، وقيل فقيراً إليه فأغناك به ، والجمهور على أنه فقر المال وغناه ، والمعنى في النبي صلى الله عليه وسلم أنه أغني بالقناعة والصبر وحببا إليه فقر الحال وغناه ، وقيل أغني بالكفاف لتصرفه في مال خديجة ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قط كثير المال ورفعه الله عن ذلك... .

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

... وههنا سؤالات :

السؤال الأول : ما الحكمة في أنه تعالى اختار له اليتم ؟

قلنا: فيه وجوه:

( أحدها ) : أن يعرف قدر اليتامى فيقوم بحقهم وصلاح أمرهم ...

( وثانيها ) : ليكون اليتيم مشاركا له في الاسم فيكرم لأجل ذلك ...

( وثالثها ) : أن من كان له أب أو أم كان اعتماده عليهما ، فسلب عنه الولدان حتى لا يعتمد من أول صباه إلى آخر عمره على أحد سوى الله ...

( ورابعها ) : أن العادة جارية بأن اليتيم لا تخفى عيوبه بل تظهر ، وربما زادوا على الموجود فاختار تعالى له اليتم ، ليتأمل كل أحد في أحواله ، ثم لا يجدوا عليه عيبا فيتفقون على نزاهته ، فإذا اختاره الله للرسالة لم يجدوا عليه مطعنا.

( وخامسها ) : جعله يتيما ليعلم كل أحد أن فضيلته من الله ابتداء، لأن الذي له أب ، فإن أباه يسعى في تعليمه وتأديبه.

( وسادسها ) : أن اليتم والفقر نقص في حق الخلق ، فلما صار محمد عليه الصلاة والسلام ، مع هذين الوصفين أكرم الخلق ، كان ذلك قلبا للعادة ، فكان من جنس المعجزات .

أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :

في الآية إشارة إلى أن الإيواء والهدى والغنى من الله لإسنادها هنا للَّه تعالى . ولكن في السياق لطيفة دقيقة ، وهي معرض التقرير ، يأتي بكاف الخطاب : ألم يجدك يتيماً ، ألم يجدك ضالاً ، ألم يجدك عائلاً ، لتأكيد التقرير ، لم يسند اليتم ولا الإضلال ولا الفقر للَّه ، مع أن كله من اللَّه ، فهو الذي أوقع عليه اليتم ، وهو سبحانه الذي منه كلما وجده عليه ، ذلك لما فيه من إيلام له ، فما يسنده للَّه ظاهراً ، ولما فيه من التقرير عليه أبرز ضمير الخطاب . وفي تعداد النعم : فآوى ، فهدى ، فأغنى . أسند كله إلى ضمير المنعم ، ولم يبرز ضمير الخطاب . قال المفسرون : لمراعاة رؤوس الآي والفواصل ، ولكن الذي يظهر واللَّه تعالى أعلم : أنه لما كان فيه امتنان ، وأنها نعم مادية لم يبرز الضمير لئلا يثقل عليه المنة ، بينما أبرزه في : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ 1 وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ 2 وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } ، ورفعنا لك ذكرك . لأنها نعم معنوية ، انفرد بها صلى الله عليه وسلم . واللَّه تعالى أعلم . ...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

ولا يتصورنّ أحد أنّ تفسير الآيات بظاهرها يحط من مكانة النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أو يضفي عليه صفات سلبية من قبل الباري تعالى ، بل إنّها في الواقع بيان ما أغدق اللّه على نبيّه من ألطاف وإكرام واحترام ...