غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَوَجَدَكَ عَآئِلٗا فَأَغۡنَىٰ} (8)

1

والعائل في الأصل كثير العيال ثم طلق على الفقير وإن لم يكن له عيال لأن الفقر من لوازم العول . أغناه الله بتربية أبي طالب أوّلاً ، ولما اختلت أحوال أبي طالب أغناه بمال خديجة . يروى أنه صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة وهو مغموم فقالت له : ما لك ؟ فقال : الزمان زمان قحط فإن أنا بذلت المال ينفذ مالك فأستحيي منك ، وإن أنا لم أبذل أخاف الله . فدعت قريشاً وفيهم الصدّيق . قال الصدّيق : فأخرجت دنانير حتى وصبتها أبلغت مبلغاً لم يقع بصري على من كان جالساً قدامي ثم قالت : اشهدوا أن هذا المال ماله إن شاء فرقه وإن شاء أمسكه . وأما في زمان الرسالة فأغناه لمال أبي بكر ثم أمره بالهجرة وأعانه بإعانة الأنصار حسبك الله ومن أتبعك من المؤمنين . ثم أغناه بما أفاء عليه من الغنائم . قال صلى الله عليه وسلم " جعل رزقي تحت ظل رمحي " وبعض هذه الأمور وإن كان بعد نزول السورة إلا أن معلوم الله كالواقع فيكون من قبيل الإخبار بالغيب وقد وقع فيكون معجزاً . وقيل : الغنى هو القناعة وغنى القلب كان صلى الله عليه وسلم يستوي عنده الحجر والذهب . قال أهل التحقيق : الحكمة في يتم النبي صلى الله عليه وسلم أن يعرف قدر الأيتام فيقوم بأمرهم . وأن يكرم اليتيم المشارك له في الاسم كما قال صلى الله عليه وسلم " إذا سميتم الولد محمداً فأكرموه وسعوا له في المجلس " وفيه أنه لا يعتمد من أول عمره إلى آخره على أحد سوى الله فيحصل له فضيلة التوكل كما قال جده إبراهيم " حسبي من سؤالي علمه بحالي " . وفيه أن اليتيم منقصة ومذلة فإذا صار أكرم الخلق كان من جنس المعجزات . يروى أنه صلى الله عليه وسلم قال : " سألت ربي مسألة لوددت أني لم أسألها قلت : اتخذت إبراهيم خليلاً ، وكلمت موسى تكليماً ، وسخرت مع داود الجبال ، وأعطيت سليمان كذا وكذا . يقال : ألم أجدك يتيماً فآويتك ، ألم أجدك ضالاً فهديتك ، ألم أجدك عائلاً فأغنيتك ؟ قلت : بلى . قال " { ألم نشرح لك صدرك } [ الشرح :1 ] إلى آخره ؟ قلت : بلى " أقول : إن صح إسناد هذا الحديث وجب حمله على الشكاية مع الله أن إلى الله لا من الله ، فإن الأول قد يتفق للعارفين في مقام الانبساط والقبض دون الثاني .

/خ11