معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (16)

فلما نزلت هاتان الآيتان أتت الأعراب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلفون بالله إنهم مؤمنون صادقون ، وعرف الله غير ذلك منهم ، فأنزل الله عز وجل :{ قل أتعلمون الله بدينكم } والتعليم ها هنا بمعنى الإعلام ولذلك قال : { بدينكم } وأدخل الباء فيه ، يقول : أتخبرون الله بدينكم الذي أنتم عليه ، { والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض والله بكل شيء عليم } أي : لا يحتاج إلى إخباركم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمۡ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ} (16)

أعيد فعل { قل } ليدل على أن المقول لهم هذا هم الأعراب الذين أمر أن يقول لهم { لم تؤمنوا } إلى آخره ، فأعيد لَمَّا طال الفصل بين القولين بالجمل المتتابعة ، فهذا متصل بقوله : { ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } اتصالَ البيان بالمبين ، ولذلك لم تعطف جملة الاستفهام .

وجملة { قل } معترضة بين الجملتين المبيِّنة والمبَّينة .

قيل : إنهم لمَّا سمعوا قوله تعالى : { قل لم تؤمنوا } الآية جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحلَفوا أنهم مؤمنون فنزل قوله : « قل أتعلمون الله بدينكم ولم يرو بسند معروف وإنما ذكره البغوي تفسيراً ولو كان كذلك لوبَّخهم الله على الأيمان الكاذبة كما وبَّخ المنافقين في سورة براءة ( 42 ) بقوله { وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يُهلكون أنفسهم } الآية . ولم أر ذلك بسند مقبول ، فهذه الآية مما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يقوله لهم .

والتعليم مبالغة في إيصال العلم إلى المعلَّم لأن صيغة التفعيل تقتضي قوة في حصول الفعل كالتفريق والتفسير ، يقال : أعْلَمَهُ وعلّمه كما يقال : أنباه ونَبَّأه . وهذا يفيد أنهم تكلفوا وتعسفوا في الاستدلال على خلوص إيمانهم ليقنعوا به الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أبلغهم أن الله نفى عنهم رسوخ الإيمان بمحاولة إقناعه تدل إلى محاولة إقناع الله بما يعلم خلافه .

وباء { بدينكم } زائدة لتأكيد لصوق الفعل بمفعوله كقوله تعالى : { وامسحوا برؤوسكم } وقول النابغة :

لك الخيران وارتْ بك الأرض واحداً

والاستفهام في { أتعلمون الله بدينكم } مستعمل في التوبيخ وقد أيد التوبيخ بجملة الحال في قوله : { والله يعلم ما في السماوات وما في الأرض } .

وفي هذا تجهيل إذ حاولوا إخفاء باطنهم عن المطّلع على كل شيء .

وجملة { والله بكل شيء عليم } تذييل لأن { كل شيء } أعم من { ما في السماوات وما في الأرض } فإن الله يعلم صفاته ويعلم الموجودات التي هي أعلى من السماوات كالعرش .