المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعۡلِنُونَ} (19)

وقوله { والله يعلم ما تسرون وما تعلنون } الآية متصلة بمعنى ما قبله ، أي أن الله لغفور في تقصيركم عن شكر ما لا تحصونه من نعم الله ، وأن الله تعالى يعلم سركم وعلنكم ، فيغني ذلك عن إلزامكم شكر كل نعمة ، هذا على قراءة من قرأ «تسرون » بالتاء مخاطبة للمؤمنين ، فإن جمهور القراء قرأ «تسرون » بالتاء من فوق «وتعلنون » و «تدعون » كذلك ، وهي قراءة الأعرج وشيبة وأبي جعفر ومجاهد على معنى قل يا محمد للكفار ، وقرأ عاصم «تسرون » و «تعلنون » بالتاء من فوق و «يدعون » بياء من تحت على غيبة الكفار ، وهي قراءة الحسن بن أبي الحسن ، وروى هبيرة عن حفص عن عاصم ، كل ذلك بالياء على غيبة الكفار ، وروى الكسائي عن أبي بكر عن عاصم كل ذلك بالتاء من فوق ، وقرأ الأعمش وأصحاب عبد الله «يعلم الذي تبدون وما تكتمون وتدعون » بالتاء من فوق في الثلاثة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعۡلِنُونَ} (19)

عطف على جملة { أفمن يخلق كمن لا يخلق } [ سورة النحل : 17 ] . فبعد أن أُثبت أن الله منفرد بصفة الخلق دون غيره بالأدلّة العديدة ثم باستنتاج ذلك بقوله : { أفمن يخلق كمن لا يخلق } انتُقل هنا إلى إثبات أنه منفرد بعموم العلم .

ولم يقدم لهذا الخبر استدلال ولا عقّب بالدّليل لأنه مما دلّت عليه أدلّة الانفراد بالخلق ، لأن خالق أجزاء الإنسان الظاهرة والباطنة يجب له أن يكون عالماً بدقائق حركات تلك الأجزاء وهي بين ظاهر وخفيّ ، فلذلك قال : { والله يعلم ما تسرون وما تعلنون } .

والمخاطب هنا هم المخاطبون بقوله تعالى : { أفلا تذكرون } [ سورة النحل : 17 ] . وفيه تعريض بالتهديد والوعيد بأن الله محاسبهم على كفرهم .

وفيه إعلام بأن أصنامهم بخلاف ذلك كما دلّ عليه تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي فإنه يفيد القصر لردّ دعوى الشركة .

وقرأ حفص { ما يسرون وما يعلنون } بالتحتية فيهما ، وهو التفات من الخطاب إلى الغيبة . وعلى قراءته تكون الجملة أظهر في التهديد منها في قصد التعليم .