المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فِرۡعَوۡنَ وَثَمُودَ} (18)

وناب { فرعون } في الذكر مناب قومه وآله ، إذ كان رأسهم و { فرعون وثمود } في موضع خفض على البدل من { الجنود }

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فِرۡعَوۡنَ وَثَمُودَ} (18)

و { فرعون } : اسم لملك مصر من القِبط وقد تقدم عند قوله تعالى : { ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه } في سورة الأعراف ( 103 ) .

والكلام على حذف مضاف لأن فرعون ليس بجند ولكنه مضاف إليه الجند الذين كذبوا موسى عليه السلام وآذوه . فحذف المضاف لنكتة المزاوجة بين اسمين علمين مفردين في الإبدال من الجنود .

وضُرب المثل بفرعون لأبي جهل وقد كان يلقّب عند المسلمين بفرعون هذه الأمة ، وضرب المثل للمشركين بقوم فرعون لأنهم أكبر أمة تألبت على رسول من رسل الله بعثه الله لإعتاق بني إسرائيل من ذل العبودية لفرعون ، وناووه لأنه دعا إلى عبادة الرب الحق فغاظ ذلك فرعون الزاعم أنه إله القبط وابن آلهتهم .

وتخصيص ثمودَ بالذكر من بقية الأمم التي كذَّبت الرسل من العرب مثل عاد وقوم تبّع ، ومن غيرهم مثل قوم نوح وقوم شعيب . لما اقتضته الفاصلة السابعة الجارية على حرف الدال من قوله : { إن بطش ربك لشديد } [ البروج : 12 ] فإن ذلك لما استقامت به الفاصلة ولم يكن في ذكره تكلف كان من محاسن نظم الكلام إيثارُه .

وتقدم ذكر ثمود عند قوله تعالى : { وإلى ثمود أخاهم صالحاً } في سورة الأعراف ( 73 ) . وهو اسم عربي ولكن يُطلق على القبيلة التي ينتهي نسبها إليه فيمنع من الصرف بتأويل القبيلة كما هنا .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فِرۡعَوۡنَ وَثَمُودَ} (18)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

هل جاءك يا محمد حديث الجنود، الذين تجندوا على الله ورسوله بأذاهم ومكروههم يقول: قد أتاك ذلك وعلمته، فاصبر لأذى قومك إياك، لما نالوك به من مكروه، كما صبر الذين تجند هؤلاء الجنود عليهم من رسلي، ولا يثنيك عن تبليغهم رسالتي، كما لم يَثْنِ الذين أرسلوا إلى هؤلاء، فإن عاقبة من لم يصدّقك ويؤمن بك منهم إلى عطب وهلاك، كالذي كان من هؤلاء الجنود، ثم بين جلّ ثناؤه عن الجنود من هم؟ فقال:"فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ "يقول: فرعون، فاجتُزئ بذكره، إذ كان رئيس جنده من ذكر جنده وتُبّاعه. وإنما معنى الكلام: هل أتاك حديث الجنود فرعون وقومه وثمود...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

بدل من الجنود وأراد بفرعون إياه وآله، كما في قوله: {مّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ} [يونس: 83]، والمعنى: قد عرفت تكذيب تلك الجنود الرسل وما نزل بهم لتكذيبهم...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

وثمود كانوا في بلاد العرب، وقصتهم عندهم مشهورة، فذكر تعالى من المتأخرين فرعون، ومن المتقدمين ثمود. والمقصود بيان أن حال المؤمنين مع الكفار في جميع الأزمنة مستمرة على هذا النهج، وهذا هو المراد من قوله: {بل الذين كفروا في تكذيب}...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{فرعون} وكذا أتباعه الذين كانوا أشد أهل زمانهم وأعتاهم وأكثرهم رعونة في دعوى الإلهية منه والتصديق منهم...

{وثمود} الذين حملتهم الخفة على أن عقروا الناقة بعد رؤيتهم إياها تتكون من الصخرة الصماء غير مجوزين أن الذي خرق العادة بإخراجها ذلك يهلكهم في شأنها، وقد جمع سبحانه بهما بين العرب والعجم والإهلاك بالماء الذي هو حياة كل شيء والصيحة التي هي أمارة الساعة، وإنما كانت آياتهما أبين لأن آية ثمود ناقة خرجت من صخرة صماء، ومن آيات موسى عليه الصلاة والسلام إبداع القمل الذي لا يحصى كثرة من الكثبان، وإبداع الضفادع كذلك والجراد وإحياء العصا مرة بعد أخرى، ولا شك عند عاقل أن من قدر على ذلك ابتداء من شيء لا أصل في الحياة فهو على إعادة ما كان قبل ذلك حياً أشد قدرة...

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

هل عرفت من خلال هذا الحديث، كيف كان الطغاة في الأرض، المستكبرون فيها، المستبدّون بحكمها، في ما يملكون من قوّة البطش، وكيف أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر؟ فأمّا فرعون الذي بلغ به الغرور أن قال: أنا ربكم الأعلى، فكان أن أغرقه الله وجنوده في البحر، وأبقى المستضعفين من بني إسرائيل بقيادة موسى (ص) ليكونوا ورثة الأرض من بعده. وأمّا ثمود فقد أهلكهم الله فلم يُبْقِ منهم أحداً، وأنجى نبيّه صالحاً الذي عانى الكثير من تكذيبهم، والمؤمنين الذين وقفوا معه ضدّ قومهم وأهلهم. وهذا لونٌ من ألوان الإرادة الإلهية الحاسمة التي لا يعجزها شيء في الأرض ولا في السماء. فليعرف الكافرون مواقع إرادة الله في عذاب الطغاة والمستكبرين...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وتشير إلى نموذجين واضحين، أحدهما من غابر الزمان، والآخر في زمن قريب من صدر دعوة الإسلام: (فرعون وثمود). فأحدهما ملك الشرق والغرب، والآخر وصلت مدنيته لأن يحفر الجبال لبناء البيوت والقصور الفخمة، ولهما من الجبروت ما لم يستطع أحد من الوقوف بوجههم، ولكنّ العزيز الجبار أهلكهم بالماء والهواء، مع ما لهاتين المادتين من لطافة وليونة، وما يمثلانه باعتبارهما من الوسائل المهمّة المستلزمة لأساسيات حياة الإنسان، فقد أغرقت أمواج وتيارات نهر النيل ذلك الطاغي (فرعون) وجنوده، فيما سلّط اللّه الهواء القارص بأعاصير مدمرة اجتاحت قوم ثمود حتى قطعت دابرهم، فأهلكوا جميعهم. القرآن الكريم يذكّر مشركي مكّة بذلك النموذجين ليعرفوا أنفسهم أمام اللّه تعالى، فإنّ كان اللّه قد أهلك تلك الجيوش العظيمة وبما تملك من عناصر القوّة بماء وهواء، فهل سيبقى لزمام أُمورهم من شيء، وهم أضعف من أولئك! علماً بأنّ البشر أمام اللّه بكلّ ما يحملون من قوّة فهم سواء، فلا فرق بين ضعيف وقوي.. فأين الخالق من المخلوق! وإنّما اختير قوم «فرعون» و«ثمود» دون بقية الأقوام السالفة كنموذجين للعصاة والضالين، باعتبارهما كانا يمتلكان قدرة وقوّة مميزة على بقية الأقوام، وأهل مكّة على معرفة بتاريخهما إجمالاً...