معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَلۡيَضۡحَكُواْ قَلِيلٗا وَلۡيَبۡكُواْ كَثِيرٗا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (82)

قوله تعالى : { فليضحكوا قليلاً } ، في الدنيا ، { وليبكوا كثيراً } ، في الآخرة . تقديره : فليضحكوا قليلا فسيبكون كثيرا ، { جزاءً بما كانوا يكسبون } . أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أنبأنا السيد أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي قال : أنا عبد الله بن محمد الحسين الشرقي ، ثنا عبد الله بن هاشم ، ثنا يحيى بن سعيد ، ثنا شعبة عن موسى بن أنس عن أنس رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا " . أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي توبة ، ثنا أبو طاهر محمد بن أحمد الحارث ، ثنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي ثنا عبد الله بن محمود ، ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الخلال ، ثنا عبد الله بن المبارك عن عمران بن زيد الثعلبي ، ثنا يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يا أيها الناس ابكو ، فإن لم تستطيعوا فتباكوا ، فإن أهل النار يبكون في النار حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول ، ثم تنقطع الدموع ، فتسيل الدماء فتقرح العيون ، فلو أن سفنا أجريت فيها لجرت " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَلۡيَضۡحَكُواْ قَلِيلٗا وَلۡيَبۡكُواْ كَثِيرٗا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (82)

ثم قال [ الله ]{[13741]} تعالى جل جلاله ، متوعدا لهؤلاء المنافقين على صنيعهم هذا : { فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }

قال ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الدنيا قليل ، فليضحكوا فيها ما شاءوا ، فإذا انقطعت الدنيا وصاروا إلى الله ، عز وجل ، استأنفوا بكاء لا ينقطع أبدا . وكذا قال أبو رَزِين ، والحسن ، وقتادة ، والربيع بن خُثَيم ، وعون العقيلي{[13742]} وزيد بن أسلم .

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا عبد الله بن عبد الصمد بن أبي خداش ، حدثنا محمد بن حميد{[13743]} عن ابن المبارك ، عن عمران بن زيد ، حدثنا يزيد الرَّقاشي ، عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يا أيها الناس ، ابكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا ، فإن أهل النار يبكون حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول ، حتى تنقطع الدموع فتسيل الدماء فتقرح العيون . فلو أن سُفُنًا أُزْجِيَتْ فيها لَجرَت " .

ورواه ابن ماجه من حديث الأعمش ، عن يزيد الرقاشي ، به{[13744]}

وقال الحافظ أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن العباس ، حدثنا حماد الجزري ، عن زيد بن رُفَيْع ، رفعه قال : " إن أهل النار إذا دخلوا النار بكوا الدموع زمانا ، ثم بكوا القيح زمانا " قال : " فتقول لهم الخَزَنَة : يا معشر الأشقياء ، تركتم البكاء في الدار المرحوم فيها أهلها في الدنيا ، هل تجدون اليوم من تستغيثون به ؟ قال : فيرفعون{[13745]} أصواتهم : يا أهل الجنة ، يا معشر الآباء والأمهات والأولاد ، خرجنا من القبور عطاشا ، وكنا طول الموقف عطاشا ، ونحن اليوم عطاش ، فأفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ، فيدعون أربعين سنة لا يجيبهم ، ثم يجيبهم : { إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ } [ الزخرف : 77 ] فييأسون من كل خير " {[13746]}


[13741]:- زيادة من ت ، ك ، أ.
[13742]:- في أ : "الفضلي".
[13743]:- في جميع النسخ : "محمد بن جبير" والتصويب من أبي يعلى.
[13744]:- مسند أبي يعلى (7/161 - 162) وسنن ابن ماجه برقم (4324) وقال البوصيري في الزوائد (3/323) : "هذا إسناد فيه يزيد بن أبان الرقاشي وهو ضعيف".
[13745]:- في ت : "فيرفعوا".
[13746]:- صفة النار (ق 152 ظاهرية) وله شواهد من حديث أبي موسى الأشعري وأبي سعيد الخدري ، رضي الله عنهما.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلۡيَضۡحَكُواْ قَلِيلٗا وَلۡيَبۡكُواْ كَثِيرٗا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (82)

{ فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون } إخبار عما يؤول إليه حالهم في الدنيا والآخرة أخرجه على صيغة الأمر للدلالة على أنه حتم واجب ، ويجوز أن يكون الضحك والبكاء كنايتين عن السرور والغم والمراد من القلة العدم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلۡيَضۡحَكُواْ قَلِيلٗا وَلۡيَبۡكُواْ كَثِيرٗا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (82)

وقال ابن عباس وأبو رزين والربيع بن خيثم وقتادة وابن زيد قوله { فليضحكوا قليلاً } إشارة إلى مدة العمر في الدنيا ، وقوله { وليبكوا كثيراً } إِشارة إلى تأبيد الخلود في النار ، فجاء بلفظ الأمر ومعناه الخبر عن حالهم ، ويحتمل أن يكون صفة حالهم أي هم لما هم عليه من الخطر مع الله ، وسوء الحال بحيث ينبغي أن يكون ضحكهم قليلاً وبكاؤهم من أجل ذلك كثيراً ، وهذا يقتضي أن يكون وقت الضحك والبكاء في الدنيا على نحو قوله صلى الله عليه وسلم ، لأمته

«لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً »{[5815]} .

وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما قال هذا الكلام أوحى الله إليه يا محمد لا تقنط عبادي ، و { جزاء } متعلق بالمعنى الذي تقديره { وليبكوا كثيراً } إذ هم معذبون { جزاء } ، وقوله : { يكسبون } نص في أن التكسب هو الذي يتعلق به العقاب والثواب .


[5815]:- أخرجه البخاري، والترمذي، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه. (الدر المنثور).