إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَلۡيَضۡحَكُواْ قَلِيلٗا وَلۡيَبۡكُواْ كَثِيرٗا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (82)

{ فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا } إخبارٌ عن عاجل أمرِهم وآجلِه من الضحِك القليلِ والبكاءِ الطويلِ المؤدِّي إليه أعمالُهم السيئةُ التي من جملتها ما ذكر من الفرح ، والفاءُ لسببية ما سبق للإخبار بما ذُكر من الضحِك والبكاءِ لا لنفسهما ، إذ لا يُتصوَّر السببيةُ في الأول أصلاً ، وقليلاً وكثيراً منصوبان على المصدرية أو الظرفية أي ضَحِكاً قليلاً وبكاءً كثيراً أو زماناً قليلاً وزماناً كثيراً ، وإخراجُه في صورة الأمرِ للدِلالة على تحتم وقوعِ المُخبَرِ به ، فإن أمرَ الآمرِ المطاعِ مما لا يكاد يتخلّف عنه المأمورُ به خلا أن المقصودَ إفادتُه في الأول هو وصفُ القِلة فقط وفي الثاني وصفُ الكثرةِ مع الموصوف .

يروى أن أهلَ النفاق يبكون في النار عمُرَ الدنيا لا يرقأ{[367]} لهم دمعٌ ولا يكتحلون بنوم . ويجوز أن يكون الضحِكُ كنايةً عن الفرح والبكاءُ عن الغم وأن تكون القِلةُ عبارةً عن العدم والكثرةُ عن الدوام { جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من فنون المعاصي ، والجمعُ بين صيغتي الماضي والمستقبلِ للدلالة على الاستمرار التجدّدي ما داموا في الدنيا ، وجزاءً مفعولٌ له للفعل الثاني أي ليبكوا جزاءً أو مصدرٌ حُذف ناصبُه أي يُجزَون بما ذكر من البكاء الكثيرِ جزاءً بما كسبوا من المعاصي المذكورة .


[367]:رقأ الدمع والدم ونحوهما: سكن وجف وانقطع بعد جريانه.