الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{فَلۡيَضۡحَكُواْ قَلِيلٗا وَلۡيَبۡكُواْ كَثِيرٗا جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ} (82)

ثم قال تعالى : { فليضحكوا قليلا }[ 82 ] .

أي : [ في ]{[29407]} هذه الدنيا الفانية{[29408]} ، / { وليبكوا/كثيرا }[ 82 ] ، في جهنم{[29409]} { جزاء بما كانوا يكسبون }[ 82 ] ، من التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعصيته{[29410]} .

قال النبي عليه السلام : والذي نفسي بيده ، لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا{[29411]} .

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم نودي عند ذلك ، أو قيل له : لا تُقنط عبادي{[29412]} .

قال ابن عباس : الدنيا قليل ، فليضحكوا فيها ما شاءوا ، فإذا انقطعت الدنيا ، استأنفوا بكاء{[29413]} لا ينقطع عنهم أبدا{[29414]} .

******

83

ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام{[29407]} : { فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستاذنوك للخروج }[ 83 ] .

أي : إن ردك الله من غزوتك إلى المنافقين ، فستأذنوك للخروج معك في غزوة أخرى : { فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة } ، أي : في غزوة تبوك ، { فاقعدوا مع الخالفين } ، [ أي : مع الذين ]{[29408]} قعدوا من المنافقين خلاف{[29409]} رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنكم منهم{[29410]} .

قال ابن عباس : تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رجال في غزوة تبوك فأدركتهم أنفسهم ، فقالوا : والله ما صنعنا{[29411]} شيئا ، فانطلق منهم ثلاثة نفر ، فلحقوا رسول الله{[29412]} فلما أتوه تابوا ، ثم رجعوا إلى المدينة فأنزل الله عز وجل ، { فإن رجعك الله إلى طائفة منهم } ، الآية . فقال النبي عليه السلام : " هلك الذين تخلفوا " ، فأنزل الله عز وجل ، عذرهم لما تابوا فقال : { لقد تاب الله على النبيء والمهاجرين والانصار ، إلى قوله : { إن الله{[29413]} هو التواب الرحيم }{[29414]}[ 118 ، 119 ] .

وقال قتادة { مع الخالفين } ، مع النساء .

وكانوا اثني{[9]} عشر رجلا من المنافقين{[10]} .

وقال ابن عباس " الخالفون " : الرجال{[11]} .

ومعناه : اقعدوا مع مرضى الرجال وأهل الزمانة{[12]} والضعفاء{[13]} .

وقيل " الخالفون " : الرجال الضعفاء والنساء ، وغلّب المذكر على الأصول العربية{[14]} .

وقال الطبري : { مع الخالفين } مع أهل الفساد ، من قولهم : " خلف الرجل على أهله يخلف خلوفا " ، إذا فسد ، ومن قولهم : هو خلف سوء " {[15]} ، ومن قولهم : " خلف فم الصائم " ، إذا تغير ريحه ، ومن قولهم : " خلف اللبن يخلف " إذا{[16]} حمض{[17]} .


[9]:أ: قال.
[10]:ساقط من أ.
[11]:في تنوير المقياس 509: "بقوتها وشدتها تقوم بحملها ولا يقوم غيرها".
[12]:أ: قال.
[13]:أ: للقطع.
[14]:انظر: المحرر 16/290.
[15]:- في ق: ح، ع3: تقضيت. وهو تصحيف.
[16]:- في ع2: تأليف. وهو تحريف.
[17]:- في ع2: ظهار. وهو تحريف.
[29407]:زيادة من "ر".
[29408]:جامع البيان 14/401، باختصار، وانظر: فيه من قال ذلك.
[29409]:المصدر نفسه، باختصار.
[29410]:المصدر نفسه، باختصار.
[29411]:أخرجه البخاري في كتاب الأيمان والنذور، كتاب: كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم رقم 6146، وأخرجه مسلم في حديث طويل، في كتاب الكسوف، باب صلاة الكسوف رقم 1499.
[29412]:جامع البيان 14/402، وهو طرف من أثر مروي عن قتادة.
[29413]:في الأصل: بك الكلمة غير تامة.
[29414]:تفسير ابن أبي حاتم 6/1855، وتفسير ابن كثير 2/377، والدر المنثور 4/256، وينظر: جامع البيان 14/401-403. قال الشوكاني في فتح القدير 2/442: "..هذان الأمران معناهما: الخبر، والمعنى: فسيضحكون قليلا ويبكون كثيرا، وإنما جيء بهما على لفظ الأمر للدلالة على أن ذلك أمر محتوم لا يكون غيره. و{قليلا} و{كثيرا}: منصوبان على المصدرية أو الظرفية، أي: ضحكا قليلا وبكاء كثيرا، أو زمانا قليلا وزمانا كثيرا.