ويطاف عليهم بآنية من فضة ، وأكواب كانت قوارير ، قوارير من فضة قدروها تقديرا . ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا . عينا فيها تسمى سلسبيلا . .
فهم في متاعهم . متكئين على الأرائك بين الظلال الوارفة والقطوف الدانية والجو الرائق . . يطاف عليهم بأشربة في آنية من فضة ، وفي أكواب من فضة كذلك ، ولكنها شفة كالقوارير ،
عطف على جملة { يَشربون من كأس } [ الإنسان : 5 ] الخ كما اقتضاه التناسب بين جملة { يشربون } وجملة { يطاف عليهم } في الفعلية والمضارعية ، وذلك من أحسن أحوال الوصل ، عاد الكلام إلى صفة مجالس شرابهم .
وهذه الجملة بيان لما أجمل في جملة { إن الأبرار يشربون من كأس } [ الإنسان : 5 ] ، وإنما عطفت عليها لما فيها من مغايرة مع الجملة المعطوف عليها من صفة آنية الشراب ، فلهذه المناسبة أعقب ذكر مجالس أهل الجنة ومُتكآتِهم ، بذكر ما يستتبعه مما تعارفه أهل الدنيا من أحوال أهل البذخ والترف واللذات بشرب الخمر إذ يُدير عليهم آنية الخمر سقاةٌ . وإذ قد كان ذلك معروفاً لم تكن حاجة إلى ذكر فاعل الطواف فبُني للنائب .
وهذا وعد لهم بإعطاء متمناهم في الدنيا مع مَزيد عليه من نعيم الجنة « ما لا عيْن رأت ولا خَطَر على قلب بَشَر » .
والطواف : مشي مكرر حولَ شيءٍ أو بين أشياء ، فلما كان أهل المتكأ جماعة كان دوران السقاء بهم طوافاً . وقد سمَّوا سقي الخمر : إدَارةَ الخمرِ ، أو إدارة الكأس . والسَّاقي : مدير الكأس ، أو مدير الجام أو نحو ذلك .
والآنية : جمع إِناء ممدوداً بوزن أفْعِلة مثل كساء وأكسية ووِعاء وأوعية اجتمع في أول الجمع همزتان مزيدة وأصلية فخففت ثانيتهمَا ألفاً .
والإِناء : اسم لكل وعاء يرتفق له ، وقال الراغب : ما يوضع فيه الشيء اه فيظهر أنه يطلق على كل وعاء يقصد للاستعمال والمداولة للأطعمة والأشربة ونحوهما سواء كان من خشب أو معدن أو فَخار أو أديم أو زجاج ، يوضع فيه ما يُشرب أو ما يؤكل ، أو يُطبخ فيه ، والظاهر أنه لا يطلق على ما يجعل للخزن فليست القِربة بإناء ولا الباطيةُ بإناء ، والكأسُ إناء والكوزُ إناء والإِبريق إناء والصحفة إناء .
والمراد هنا : آنية مجالس شرابهم كما يدل عليه ذكر الأكواب وذلك في عموم الآنية وما يوضع معه من نُقْل أو شِواء أو نحو ذلك كما قال تعالى في آية الزخرف ( 71 ) { يطاف عليهم بصِحاف من ذهب وأكواب } .
وتشمل الآنية الكؤوسَ . وذكر { الآنِية } بعد { كأس } [ الإنسان : 5 ] من قوله : { إن الأبرار يشربون من كأس } [ الإنسان : 5 ] من ذكر العام بعد الخاص إلاّ إذا أريد بالكأس الخمر .
والأكواب : جمع كوب بضم الكاف بعده واو ساكنة . والكوب : كوز لا عروة له ولا خرطوم له ، وتقدم في سورة الزخرف .
وعطف { أكواب } على ( آنية ) من عطف الخاص على العام لأن الأكواب تحمل فيها الخمر لإِعادة ملءِ الكؤوس . ووصفت هنا بأنها من فضة ، أي تأتيهم آنيتهم من فضة في بعض الأوقات ومن ذهب في أوقات أخرى كما دلّ عليه قوله في سورة الزخرف ( 71 ) { يطاف عليهم بصحاف من ذَهب وأكواب } لأن للذهب حسناً وللفضة حسناً فجعلت آنيتهم من المعدنين النفيسين لئلا يفوتهم ما في كل من الحسن والجمال ، أو يطاف عليهم بآنية من فضة وآنية من ذهب متنوعة متزاوجة لأن ذلك أبهج منظراً مثل ما قال مرة
{ وحلّوا أساور من فضة } [ الإنسان : 21 ] ، ومرة { يُحَلّون فيها من أساور من ذهب } [ الكهف : 31 ] ، وذلك لإِدخال المسرَّة على أنفسهم بحسن المناظر فإنهم كانوا يتمنونها في الدنيا لِعزة وجودها أو وجود الكثير منها ، وأوثر ذكر آنية الفضة هنا لمناسبة تشبيهها بالقوارير في البياض .
والقوارير : جمع قارورة ، وأصل القارورة إناء شبه كوز ، قيل : لا تسمى قارورة إلاّ إذا كانت من زجاج ، وقيل مطلقاً وهو الذي ابتدأ به صاحب « القاموس » .
وسميت قارورة اشتقاقاً من القَرار وهو المكث في المكان وهذا وزن غريب .
والغالب أن اسم القارورة للإِناء من الزجاج ، وقد يطلق على ما كان من زجاج وإن لم يكن إناء كما في قوله تعالى : { قَال إنه صرح ممرّد من قوارير } [ النمل : 44 ] وقد فسر قوله : { قواريراً } في هذه الآية بأنها شبيهة بالقوارير في صفاء اللون والرقة حتى كأنها تشفّ عما فيها .
والتنافس في رقة آنية الخمر معروف عند شاربيها قال الأعشى :
تريك القذى من دونها وهي دونه *** إذا ذاقها من ذاقها يتمطق
وفعل { كانت } هنا تشبيه بليغ ، والمعنى : إنها مثل القوارير في شفيفها ، وقرينة ذلك قوله : { من فضة } ، أي هي من جنس الفضة في لون القوارير لأن قوله { من فضة } حقيقة فإنه قال قبله { بآنية من فضة } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.