إنه الرضى ينسكب في قلب هذا الأتقى . إنه الرضى يغمر روحه . إنه الرضى يفيض على جوارحه . إنه الرضى يشيع في كيانه . إنه الرضى يندي حياته . .
ويا له من جزاء ! ويا لها من نعمة كبرى !
( ولسوف يرضى ) . . يرضى بدينه . ويرضى بربه . ويرضى بقدره . ويرضى بنصيبه . ويرضى بما يجد من سراء وضراء . ومن غنى وفقر . ومن يسر وعسر . ومن رخاء وشدة . يرضى فلا يقلق ولا يضيق ولا يستعجل ولا يستثقل العبء ، ولا يستبعد الغاية . . إن هذا الرضى جزاء - جزاء أكبر من كل جزاء - جزاء يستحقه من
يبذل له نفسه وماله - من يعطي ليتزكى . ومن يبذل ابتغاء وجه ربه الأعلى .
إنه جزاء لا يمنحه إلا الله . وهو يسكبه في القلوب التي تخلص له ، فلا ترى سواه أحدا .
يرضى وقد بذل الثمن . وقد أعطى ما أعطى . .
إنها مفاجأة في موضعها هذا . ولكنها المفاجأة المرتقبة لمن يبلغ ما بلغه الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى ، وما لأحد عنده من نعمة تجزى ، إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى . .
قال الله تعالى : { وَلَسَوْفَ يَرْضَى } أي : ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات .
وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك . ولا شك أنه داخل فيها ، وأولى الأمة{[30165]} بعمومها ، فإن لفظها لفظ العموم ، وهو قوله تعالى : { وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى } ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة ؛ فإنه كان صديقًا تقيًا كريما جوادًا بذالا لأمواله في طاعة مولاه ، ونصرة رسول الله ، فكم من دراهم{[30166]} ودنانير{[30167]} بذلها ابتغاء وجه ربه الكريم ، ولم يكن لأحد من الناس عنده منّةٌ يحتاج إلى أن يكافئه بها ، ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل ؛ ولهذا قال له عروة بن مسعود - وهو سيد ثقيف ، يوم صلح الحديبية - : أما والله لولا يد لك كانت عندي لم أجزك بها لأجبتك . وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة ، فإذا كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل ، فكيف بمن عداهم ؟ ولهذا قال : { وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى } وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أنفق زوجين في سبيل الله دَعَته خَزَنَةُ الجنة : يا عبد الله ، هذا خير " ، فقال أبو بكر : يا رسول الله ، ما على من يُدعى منها ضرورة فهل يدعى منها كلها أحد ؟ قال : " نعم ، وأرجو أن تكون منهم " {[30168]} .
آخر تفسير سورة " الليل " ولله الحمد والمنة{[30169]}
وقوله : { ولسوف يرضى } وعد بالثواب الجزيل الذي يرضى صاحبه . وهذا تتميم لقوله : { وسيجنبها الأتقى } لأن ذلك ما أفاد إلا أنه ناج من عذاب النار لاقتضاء المقام الاقتصار على ذلك لقصد المقابلة مع قوله : { لا يصلاها إلا الأشقى } فتمم هنا بذكر ما أعد له من الخيرات .
وحرف « سَوف » لتحقيق الوعد في المستقبل كقوله : { قال سوف أستغفر لكم ربي } [ يوسف : 98 ] أي يتغلغل رضاه في أزمنة المستقبل المديد .
واللام لام الابتداء لتأكيد الخبر .
وهذه من جوامع الكلم لأنها يندرج تحتها كل ما يرغب فيه الراغبون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.