قوله تعالى : { والذين يبيتون لربهم } يقال لمن أدرك الليل : بات ، نام أو لم ينم ، يقال : بات فلان قلقاً ، والمعنى : يبيتون لربهم بالليل في الصلاة ، { سجداً } على وجوههم ، { وقياماً } على أقدامهم . قال ابن عباس : من صلى بعد العشاء الآخرة ركعتين أو أكثر فقد بات لله ساجداً وقائماً .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ، أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا أبو نعيم عن سفيان ، عن عثمان بن حكيم ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة ، عن عثمان بن عفان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله " .
هذا نهارهم مع الناس فأما ليلهم فهو التقوى ومراقبة الله ، والشعور بجلاله ، والخوف من عذابه .
( والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما . والذين يقولون : ربنا اصرف عنا عذاب جهنم . إن عذابها كان غراما . إنها ساءت مستقرا ومقاما ) . .
والتعبير يبرز من الصلاة السجود والقيام لتصوير حركة عباد الرحمن ، في جنح الليل والناس نيام . فهؤلاء قوم يبيتون لربهم سجدا وقياما ، يتوجهون لربهم وحده ، ويقومون له وحده ، ويسجدون له وحده . هؤلاء قوم مشغولون عن النوم المريح اللذيذ ، بما هو أروح منه وأمتع ، مشغولون بالتوجه إلى ربهم ، وتعليق أرواحهم وجوارحهم به ، ينام الناس وهم قائمون ساجدون ؛ ويخلد الناس إلى الأرض وهم يتطلعون إلى عرش الرحمن ، ذي الجلال والإكرام .
وقوله : { وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا } أي : في عبادته وطاعته ، كما قال تعالى : { كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [ الذاريات : 17 - 18 ] ، وقال { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } [ السجدة : 16 ] وقال { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } الآية [ الزمر : 9 ] ولهذا قال : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا }
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{والذين يبيتون لربهم} بالليل في الصلاة {سجدا وقيما}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: والذين يبيتون لربهم يصلون لله، يراوحون بين سجود في صلاتهم وقيام. وقوله:"وَقِياما" جمع قائم...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
البيتوتة: خلاف الظلول، وهو أن يدركك الليل، نمت أو لم تنم، وقالوا: من قرأ شيئاً من القرآن في صلاته وإن قلّ فقد بات ساجداً وقائماً. وقيل: هما الركعتان بعد المغرب والركعتان بعد العشاء، والظاهر أنه وصف لهم بإحياء الليل أو بأكثره. يقال: فلان يظل صائماً ويبيت قائماً.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
هذه آية فيها تحريض على القيام بالليل للصلاة، قال الحسن لما فرغ من وصف نهارهم وصف في هذه ليلهم، وقال بعض الناس من صلى العشاء الآخر وشفع وأوتر فهو داخل في هذه الآية. قال الفقيه الإمام القاضي: إلا أنه دخول غير مستوفى.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} أي: في عبادته وطاعته، كما قال تعالى: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17 -18]، وقال {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16] وقال {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} الآية [الزمر: 9] ولهذا قال: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا}.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما ذكر ما بينهم وبين الخلق من القول والفعل، وكان الغالب على ذلك أن يكون خلوة نهاراً، ذكر ما بينهم وبين خالقهم من ذلك خلوة ليلاً، وذكر هذه المعطوفات التي هي صفات بالواو، تنبيهاً على أن كل واحدة منها تستقل بالقصد لعظم خطرها، وكبر أثرها، فقال: {والذين يبيتون} من البيتوتة: أن يدركك الليل نمت أو لم تنم، وهي خلاف الظلول؛ وأفاد الاختصاص بتقديم {لربهم} أي المحسن إليهم برحمانيته، يحيون الليل رحمة لأنفسهم، وشكراً لفضله. ولما كان السجود أشد أركان الصلاة تقريباً إلى الله، لكونه أنهى الخضوع مع أنه الذي أباه الجاهلون، قدمه لذلك ويعلم بادئ بدء أن القيام في الصلاة فقال: {سجداً} وأتبعه ما هو تلوه في المشقة تحقيقاً لأن السجود على حقيقته فيتمحص الفعلان للصلاة، فقال: {وقياماً} أي ولم يفعلوا فعل الجاهلين من التكبر عن السجود، بل كانوا -كما قال الحسن رحمه الله: نهارهم في خشوع، وليلهم في خضوع.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
هذا نهارهم مع الناس فأما ليلهم فهو التقوى ومراقبة الله، والشعور بجلاله، والخوف من عذابه.
(والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما. والذين يقولون: ربنا اصرف عنا عذاب جهنم. إن عذابها كان غراما. إنها ساءت مستقرا ومقاما)..
والتعبير يبرز من الصلاة السجود والقيام لتصوير حركة عباد الرحمن، في جنح الليل والناس نيام. فهؤلاء قوم يبيتون لربهم سجدا وقياما، يتوجهون لربهم وحده، ويقومون له وحده، ويسجدون له وحده. هؤلاء قوم مشغولون عن النوم المريح اللذيذ، بما هو أروح منه وأمتع، مشغولون بالتوجه إلى ربهم، وتعليق أرواحهم وجوارحهم به، ينام الناس وهم قائمون ساجدون؛ ويخلد الناس إلى الأرض وهم يتطلعون إلى عرش الرحمن، ذي الجلال والإكرام.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
هذا عطف على الجملة السابقة في بيان عملهم لله، وكذلك ما يجيء من بعده من أحوال لهم، واللام في قوله {لربهم} متعلقة ب {سجدا} أي أنهم يبيتون ساجدين لربهم خاضعين، وقائمين له، وقدم قوله تعالى {لربهم}، لبيان قصر السجود عليه، فلا يسجدون لغيره إذ لا يعبدون غيره، ولا يسجدون لسواه. والسجود والقيام كناية عن الصلاة، فهم يتهجدون مطيعين، لقوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا (79)} [الإسراء]. وإن معنى الآية أنهم يبيتون على هذه الحال... هذه بعض أحوال عباد الرحمن: اتجاه إلى الله وإغضاء عن مساوئ الناس، ويكون الله تعالى في بياتهم فيكونون لله تعالى في مبيتهم، وفيما يجرحون من أعمال بالنهار.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.