ألم . تلك آيات الكتاب الحكيم . هدى ورحمة للمحسنين ، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ، وهم بالآخرة هم يوقنون . أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون . .
الافتتاح بالأحرف المقطعة . ( ألف . لام . ميم )والإخبار عنها بأنها : ( تلك آيات الكتاب الحكيم )للتنبيه إلى أن آيات الكتاب من جنس تلك الأحرف - على نحو ما تقدم في السور المبدوءة بالأحرف - واختيار وصف الكتاب هنا بالحكمة ، لأن موضوع الحكمة مكرر في هذه السورة ، فناسب أن يختار هذا الوصف من أوصاف الكتاب في جوه المناسب على طريقة القرآن الكريم . ووصف الكتاب بالحكمة يلقي عليه ظلال الحياة والإرادة ، فكأنما هو كائن حي متصف بالحكمة في قوله وتوجيهه ، قاصد لما يقول ، مريد لما يهدف إليه . وإنه لكذلك في صميمه . فيه روح . وفيه حياة . وفيه حركة . وله شخصية ذاتية مميزة . وفيه إيناس . وله صحبة يحس بها من يعيشون معه ويحيون في ظلاله ، ويشعرون له بحنين وتجاوب كالتجاوب بين الحي والحي ، وبين الصديق والصديق !
القول في تأويل قوله تعالى : { الَمَ * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لّلْمُحْسِنِينَ * الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ بِالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } .
وقد تقدّم بياننا تأويل قول الله تعالى ذكره الم . وقوله : تِلكَ آياتُ الكِتابِ الحَكِيمِ يقول جل ثناؤه : هذه آيات الكتاب الحكيم بيانا وتفصيلاً .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{تلك آيات الكتاب الحكيم} يعني عز وجل: المحكم من الباطل.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"تِلكَ آياتُ الكِتابِ الحَكِيمِ" يقول جل ثناؤه: هذه آيات الكتاب الحكيم بيانا وتفصيلاً.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{الكتاب الحكيم} سمي حكيما كريما مجيدا ونحوه؛ فتحتمل تسميته حكيما وجوها:
أحدها: لإحكامه وإتقانه، أي محكم متقن، لا يبدل، ولا يغير، وهو كما وضع عز وجل {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} [فصلت: 42].
والثاني: سماه حكيما لأن من تمسك به، وعمل بما فيه، يصير حكيما مجيدا كريما.
والثالث: سماه حكيما لأنه منزل من عند حكيم كقوله: {تنزيل من حكيم حميد} [فصلت: 42]...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{تلك} أي الآيات التي هي من العلو والعظمة بمكان لا يناله إلا من جاهد نفسه حتى هذبها بالتخلي عن جميع الرذائل، والتحلي بسائر الفضائل. {آيات الكتاب} الجامع لجميع أنواع الخير {الحكيم} بوضع الأشياء في حواق مراتبها فلا يستطاع نقض شيء من إبرامه، ولا معارضة شيء من كلامه، الدال ذلك على تمام علم منزله وخبرته، وشمول عظمته وقدرته، ودقيق صنائعه في بديع حكمته، فلا بد من نصر المؤمنين ومن داناهم في التمسك بكتاب له أصل من عند الله.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
من إحكامها، أنها جاءت بأجل الألفاظ وأفصحها، وأبينها، الدالة على أجل المعاني وأحسنها.
ومن إحكامها: أن جميع ما فيها من الأخبار السابقة واللاحقة، والأمور الغيبية كلها، مطابقة للواقع، مطابق لها الواقع، لم يخالفها كتاب من الكتب الإلهية، ولم يخبر بخلافها، نبي من الأنبياء، [ولم يأت ولن يأتي علم محسوس ولا معقول صحيح، يناقض ما دلت عليه].
ومن إحكامها: أنها ما أمرت بشيء، إلا وهو خالص المصلحة، أو راجحها، ولا نهت عن شيء، إلا وهو خالص المفسدة أو راجحها، وكثيرا ما يجمع بين الأمر بالشيء، مع ذكر [حكمته] فائدته، والنهي عن الشيء، مع ذكر مضرته.
ومن إحكامها: أنها جمعت بين الترغيب والترهيب، والوعظ البليغ، الذي تعتدل به النفوس الخيرة، وتحتكم، فتعمل بالحزم.
ومن إحكامها: أنك تجد آياته المتكررة، كالقصص، والأحكام ونحوها، قد اتفقت كلها وتواطأت، فليس فيها تناقض، ولا اختلاف. فكلما ازداد بها البصير تدبرا، وأعمل فيها العقل تفكرا، انبهر عقله، وذهل لبه من التوافق والتواطؤ، وجزم جزما لا يمترى فيه، أنه تنزيل من حكيم حميد.
ولكن -مع أنه حكيم- يدعو إلى كل خلق كريم، وينهى عن كل خلق لئيم، أكثر الناس محرومون الاهتداء به، معرضون عن الإيمان والعمل به، إلا من وفقه اللّه تعالى وعصمه، وهم المحسنون في عبادة ربهم والمحسنون إلى الخلق.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
إذا كانت هذه السورة نزلت بسبب سؤال قريش عن لقمان وابنه فهذه الآيات إلى قوله {ولقد ءاتينا لقمان الحكمة} [لقمان: 12] بمنزلة مقدمة لبيان أن مرمى القرآن من قصّ القصة ما فيها من علم وحكمة وهدى وأنها مسوقة للمؤمنين لا للذين سألوا عنها فكان سؤالهم نفعاً للمؤمنين.
والإشارة ب {تِلْكَ} إلى ما سيذكر في هذه السورة، فالمشار إليه مقدر في الذهن مترقب الذكر على ما تقدم في قوله {ذلك الكِتَاب} في أول البقرة (2) وفي أول سورة الشعراء (2).
{وآيات الكتاب} خبر عن اسم الإشارة.
و {الحكيم}: وصف للكتاب بمعنى ذي الحكمة،... وفي وصف {الكِتَاب} بهذا الوصف براعة استهلال للغرض من ذكر حكمة لقمان...
معنى حكيم: هو الذي يضع الشيء في موضعه، ولا يضع الشيء في موضعه إلا الله؛ لأنه هو الذي يعلم صدق الشيء في موضعه. أما نحن فنهتدي إلى موضع الشيء، ثم يتبين لنا خطؤه في موضعه، ونضطر إلى تغييره أو تعديله...
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
{تِلْكَ آياتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} الذي ينطلق في تخطيطه للعقيدة وللحياة على أساس الحكمة التي تضع لكل شيء حدوداً تتصل بخصوصياته وتتحرك في اتجاه غاياته الخيّرة السليمة، ولذلك فإن من المفروض أن يلتمس الناس في آياته القواعد الفكرية والعملية التي تركز حياتهم على أسس ثابتةٍ متينةٍ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.