نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡحَكِيمِ} (2)

{ تلك } أي الآيات التي هي من العلو والعظمة بمكان لا يناله إلا من جاهد نفسه حتى هذبها بالتخلي عن جميع الرذائل ، والتحلي بسائر الفضائل { آيات الكتاب } الجامع لجميع أنواع الخير { الحكيم } بوضع الأشياء في حواق مراتبها{[53592]} فلا يستطاع نقض شيء من إبرامه ، ولا معارضة شيء من كلامه ، الدال ذلك على تمام علم{[53593]} منزله وخبرته{[53594]} ، وشمول عظمته وقدرته ، ودقيق صنائعه في بديع حكمته ، فلا بد من نصر المؤمنين ومن داناهم في التمسك بكتاب له أصل من عند الله .

وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما تكرر الأمر بالاعتبار والحض عليه والتنبيه بعجائب المخلوقات في سورة الروم كقوله سبحانه :{ أو لم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق }[ الروم : 8 ] وقوله :{ أو لم يسيروا في الأرض }[ الروم : 9 ] وقوله :{ الله يبدؤا الخلق ثم يعيده }[ الروم : 11 ] وقوله :{ يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي }[ الروم : 19 ] إلى قوله :

{ كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون }[ الروم : 28 ] وهي عشر آيات تحملت من جليل الاعتبار والتنبيه ما لا يبقى معه شبهة ولا توقف لمن وفق{[53595]} إلى ما بعد هذا من آيات التنبيه وبسط الدلائل وذكر ما فطر عليه العباد وضرب الأمثال الموضحة سواء{[53596]} السبيل لمن عقل معانيها وتدبر حكمها إلى قوله :

{ ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل }[ الروم : 58 ] وهي إشارة إلى ما أودع الله كتابه المبين من مختلف الأمثال وشتى العظات وما تحملت هذه السورة من ذلك ، أتبع سبحانه ذلك بقوله الحق : { الم تلك آيات الكتاب الحكيم } أي دلائله وبراهينه لمن وفق{[53597]} وسبقت له الحسنى وهو المحسنون الذين ذكرهم بعد ، و{[53598]} وصف الكتاب بالحكيم يشهد لما مهدناه ، ثم أشار سبحانه إلى من حرم منفعته والاعتبار به ، واستبدل الضلالة بالهدى ، وتنكب عن سنن{[53599]} فطرة الله التي فطر الناس عليها فقال : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } - الآيات ، ثم أتبع ذلك بما يبكت{[53600]} كل معاند ، ويقطع بكل جاحد ، فذكر{[53601]} خلق السماوات{[53602]} بغير عمد مرئية مشاهدة لا يمكن في أمرها امتراء ، ثم ذكر خلق الأرض وما أودع فيها ، ثم قال سبحانه { هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه } ثم اتبع ذلك بذكر من هداه سبيل الفطرة فلم تزغ{[53603]} به الشبه{[53604]} ولا تنكب سواء السبيل فقال : { ولقد آتينا لقمان الحكمة } - الآية ، لتأسيس من اتبع فطرة الله التي تقدم ذكرها في سورة الروم ، ثم تناسق الكلام وتناسج{[53605]} - انتهى .


[53592]:زيد في ظ: ومواضعها.
[53593]:سقط من ظ.
[53594]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: خيرته.
[53595]:من م، وفي الأصل وظ ومد: وقف.
[53596]:زيد من ظ وم ومد.
[53597]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: وقف.
[53598]:زيد من ظ وم ومد.
[53599]:في ظ: سكن.
[53600]:زيد من ظ وم ومد.
[53601]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: قد.
[53602]:زيد في الأصل: والأرض، ولم تكن الزيادة في ظ وم ومد فحذفناها.
[53603]:في ظ: فلم تنزع.
[53604]:من م ومد، وفي الأصل وظ: الشبهة.
[53605]:في ظ: تناسخ.