وقوله : إنّهُ ظَنّ أنْ لَنْ يَحُورَ بَلى يقول تعالى ذكره : إن هذا الذي أُوتي كتابه وراء ظهره يوم القيامة ، ظنّ في الدنيا أن لن يرجع إلينا ، ولن يُبعث بعد مماته ، فلم يكن يبالي ما ركب من المآثم ، لأنه لم يكن يرجو ثوابا ، ولم يكن يخشى عقابا يقال منه : حار فلان عن هذا الأمر : إذا رجع عنه ، ومنه الخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه : «اللّهُمّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الْحَوَرِ بَعْدَ الكَورِ » يعني بذلك : من الرجوع إلى الكفر ، بعد الإيمان . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إنّهُ ظَنّ أنْ لَنْ يَحُورَ يقول : يُبعث .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : إنّهُ ظَنّ أنْ لَنْ يَحُورَ بَلى قال : أن لا يرجع إلينا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّهُ ظَنّ أنْ لَنْ يَحُورَ : أن لا مَعادَ له ولا رجعة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة أنْ لَنْ يَحُورَ قال : أن لن ينقلب : يقول : أن لن يبعث .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، ظَنّ أنْ لَنْ يَحُورَ قال : يرجع .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أنْ لَنْ يَحُورَ قال : أن لن ينقلب .
وقوله تعالى : { إنه ظن أن لن يحور } ، معناه : لن يرجع إلى الله تعالى مبعوثاً محشوراً ، قال ابن عباس : لم أعلم ما معنى { ويحور } ، حتى سمعت أعرابية تقول لبنية لها : حوري ، أي ارجعي ، والظن هنا على بابه ، و { أن } وما بعدها تسد مسد مفعولي ظن وهي { أن } المخففة من الثقيلة ، والحور : الرجوع على الأدراج ، ومنه : اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور{[11710]} .
وموقع جملة : { إنه ظن أن لن يحور } موقع التعليل لمضمون جملة : { وأما من أوتي كتابه وراء ظهره } إلى آخرها .
وحرف ( إنّ ) فيها مُغْنٍ عن فاء التعليل ، فالمعنى : يصلى سعيراً لأنه ظن أن لن يحور ، أي لن يرجع إلى الحياة بعد الموت ، أي لأنه يُكَذِّبُ بالبعث ، يقال : حار يحور ، إذا رجع إلى المكان الذي كان فيه ، ثم أطلق على الرجوع إلى حالة كان فيها بعدَ أن فارقها ، وهو المراد هنا وهو من المجاز الشائع مثل إطلاق الرجوع عليه في قوله : { ثم إلينا مرجعكم } [ يونس : 23 ] وقوله : { إنه على رجعه لقادر } [ الطارق : 8 ] وسُمي يومُ البعث يومَ المعاد .
وجيء بحرف { لن } الدال على تأكيد النفي وتأييده لحكاية جزمهم وقطعهم بنفيه .
وحرف { بلى } يجاب به الكلام المنفي لإبطال نفيه وأكثر وقوعه بعد الاستفهام عن النفي نحو : { ألست بربكم قالوا بلى } [ الأعراف : 172 ] ويقع بعد غير الاستفهام أيضاً نحو قوله تعالى :
{ زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن } [ التغابن : 7 ] .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
إن هذا الذي أُوتي كتابه وراء ظهره يوم القيامة، ظنّ في الدنيا أن لن يرجع إلينا، ولن يُبعث بعد مماته، فلم يكن يبالي ما ركب من المآثم، لأنه لم يكن يرجو ثوابا، ولم يكن يخشى عقابا، يقال منه: حار فلان عن هذا الأمر: إذا رجع عنه، ومنه الخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه: «اللّهُمّ إنّي أعُوذُ بِكَ مِنَ الْحَورِ بَعْدَ الكَورِ» يعني بذلك: من الرجوع إلى الكفر، بعد الإيمان...
عن ابن عباس، قوله: إنّهُ ظَنّ أنْ لَنْ يَحُورَ يقول: يُبعث...
عن مجاهد، قوله: إنّهُ ظَنّ أنْ لَنْ يَحُورَ بَلى قال: أن لا يرجع إلينا...
عن قتادة، قوله:"إنّهُ ظَنّ أنْ لَنْ يَحُورَ": أن لا مَعادَ له ولا رجعة...
قال ابن زيد، في قوله: أنْ لَنْ يَحُورَ قال: أن لن ينقلب...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ثم علل ثبات سروره فقال مؤكداً- تنبيهاً أيضاً على أنه لا يصدق أن أحداً ينكر البعث مع ما له من الدلائل التي تفوت الحصر: {إنه ظن} لضعف نظره {أن} أي أنه {لن يحور} أي يرجع إلى ربه أو ينقص أو يهلك (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلاّ الدهر} [الجاثية: 24] فلهذا كان يعمل عمل من لا يخاف عاقبة...
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
وفي الآية إيماء إلى أن المسخرين لشهواتهم، الساعين وراء لذاتهم ليسوا بظانين فضلا عن أن يكونوا مستيقنين بأنهم يرجعون إلى ربهم ليحاسبهم، بل الراجح عندهم أنهم لا يحاسبون، وأن الله مخلف وعده، وهذا هو الذي ينسيهم ذكره عند كل جرم يجرمونه، فهم وإن كانوا يزعمون الإيمان بالله وبوعده ووعيده، فهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ولن يرجع إلى بارئه، ولو ظن الرجعة في نهاية المطاف لاحتقب بعض الزاد ولادخر شيئا للحساب!...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
فالمعنى: يصلى سعيراً لأنه ظن أن لن يحور، أي لن يرجع إلى الحياة بعد الموت، أي لأنه يُكَذِّبُ بالبعث، يقال: حار يحور، إذا رجع إلى المكان الذي كان فيه، ثم أطلق على الرجوع إلى حالة كان فيها بعدَ أن فارقها، وهو المراد هنا وهو من المجاز الشائع مثل إطلاق الرجوع عليه في قوله: {ثم إلينا مرجعكم} [يونس: 23] وقوله: {إنه على رجعه لقادر} [الطارق: 8] وسُمي يومُ البعث يومَ المعاد. وجيء بحرف {لن} الدال على تأكيد النفي وتأبيده لحكاية جزمهم وقطعهم بنفيه. وحرف {بلى} يجاب به الكلام المنفي لإبطال نفيه وأكثر وقوعه بعد الاستفهام عن النفي نحو: {ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] ويقع بعد غير الاستفهام أيضاً نحو قوله تعالى: {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن} [التغابن: 7]. وموقع {بلى} الاستئناف كأحرف الجواب...
أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :
هذا الظن مثل ما تقدم في حق المطففين {أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ}، مما يشعر أن عدم الإيمان بالبعث أو الشك فيه، هو الدافع لكل سوء والمضيع لكل خير، وأن الإيمان باليوم الآخر هو المنطلق لكل خير والمانع لكل شر، والإيمان بالبعث هو منطلق جميع الأعمال الصالحة كما في مستهل المصحف {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}...