الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{إِنَّهُۥ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ} (14)

" إنه ظن أن لن يحور " أي لن يرجع حيا مبعوثا فيحاسب ، ثم يثاب أو يعاقب . يقال : حار يحور إذا رجع ، قل لبيد :

وما المرءُ إلا كالشهاب وضوئِه *** يحُورُ رمادا بعد إذ هو ساطع

وقال عكرمة وداود بن أبي هند ، يحور كلمة بالحبشية ، ومعناها يرجع . ويجوز أن تتفق الكلمتان فإنهما كلمة اشتقاق ، ومنه الخبز الحوارة ، لأنه يرجع إلى البياض . وقال ابن عباس : ما كنت أدري : ما يحور ؟ حتى سمعت أعرابية تدعو بنية لها : حُوري ، أي ارجعي إلي ، فالحور في كلام العرب الرجوع . ومنه قول عليه السلام : " اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور " يعني : من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة ، وكذلك الحور بالضم . وفي المثل " حور في محارة " {[15869]} أي نقصان في نقصان . يضرب للرجل إذا كان أمره يدبر ، قال الشاعر{[15870]} :

واستعجلوا عن خفِيفِ المضغ فازْدَرَدُوا *** والذم يبقىَ وزاد القوم في حُورِ

والحور أيضا : الاسم من قولك : طحنت الطاحنة فما أحارت شيئا ، أي ما ردت شيئا من الدقيق . والحور أيضا الهلكة ، قال الراجز{[15871]} :

في بئر لا حُورٍ سَرَى ولا شَعَرْ

قال أبو عبيدة : أي بئر حور ، و " لا " زائدة . وروى " بعد الكون " {[15872]} ومعناه من انتشار الأمر بعد تمامه . وسئل معمر عن الحور بعد الكون . فقال : هو الكنتي . فقال له عبد الرزاق : وما الكنتي ؟ فقال : الرجل يكون صالحا ثم يتحول رجل سوء . قال أبو عمرو : يقال للرجل إذا شاخ : كنتي ، كأنه نسب إلى قوله : كنت في شبابي كذا . قال :

فأصبحتُ كُنْتِيا وأصبحت عاجنا *** وشرُّ خصال المرء كنتُ وعَاجِنُ

عجن الرجل : إذا نهض معتمدا على الأرض من الكبر . وقال ابن الأعرابي : الكنتي : هو الذي يقول : كنت شابا ، وكنت شجاعا ، والكاني هو الذي يقول : كان لي مال وكنت أهب ، وكان لي خيل وكنت أركب .


[15869]:أي حور في حور، فمحارة: مصدر سمي بمعنى الحور.
[15870]:قائله سبيع بن الخطيم . يريد الأكل يذهب والذم يبقى.
[15871]:هو العجاج.
[15872]:الكون هنا: مصدر كان التامة بقال: كان يكون كونا: أي وجد واستقر. (النهاية).