معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَن لَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ أَلِيمٖ} (26)

قوله تعالى : { أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم } ، أي : مؤلم . قال ابن عباس : بعث نوح عليه السلام بعد أربعين سنة ، ولبث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة ، وعاش بعد الطوفان ستين سنة ، وكان عمره ألفا وخمسين سنة . وقال مقاتل : بعث وهو ابن مائة سنة . وقيل : بعث هو ابن خمسين سنة . وقيل : بعث وهو ابن مائتين وخمسين سنة ، ومكث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة ، وعاش بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة فكان عمره ألفا وأربعمائة وخمسين سنة قال الله تعالى : { فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما } [ العنكبوت-14 ] أي : فلبث فيهم داعيا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَن لَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ أَلِيمٖ} (26)

25

ومرة أخرى يبلور مضمون الرسالة في حقيقة جديدة :

( أن لا تعبدوا إلا الله ) . .

فهذا هو قوام الرسالة ، وقوام الإنذار . ولماذا ؟

( إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ) . .

فيتم الإبلاغ ويتم الإنذار ، في هذه الكلمات القصار . .

واليوم ليس أليما . إنما هو مؤلم . والأليم - اسم مفعول أصله : مألوم ! - إنما هم المألومون في ذلك اليوم . ولكن التعبير يختار هذه الصيغة هنا ، لتصوير اليوم ذاته بأنه محمل بالألم ، شاعر به ، فما بال من فيه ؟

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَن لَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ أَلِيمٖ} (26)

وقوله : أنْ لا تَعْبُدُوا إلاّ اللّهَ فمن كسر الألف في قوله : إني جعل قوله : أرْسَلْنا عاملاً في «أَنْ » التي في قوله : أنْ لا تَعْبُدُوا إلاّ اللّهَ ويصير المعنى حينئذ : ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه ، أن لا تعبدوا إلا الله ، وقل لهم إنّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ . ومن فتحها ، ردّ «أنْ » في قوله : أنْ لا تَعْبُدُوا عليها ، فيكون المعنى حينئذ : لقد أرسلنا نوحا إلى قومه بأني لكم نذير مبين ، بأن لا تعبدوا إلا الله . ويعني بقوله : بأن لا تعبدوا إلا الله أيها الناسُ ، عبادة الاَلهة والأوثان وإشراكها في عبادته ، وأفردوا الله بالتوحيد وأخلصوا له العبادة ، فإنه لا شريك له في خلقه . وقوله : إنّي أخافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ ألِيم يقول : إني أيها القوْم إن لم تَخُصّوا الله بالعبادة وتفردوه بالتوحيد وتخلعوا ما دونه من الأنداد والأوثان ، أخاف عليكم من الله عذاب يوم مؤلم عقابُه وعذابه لمن عذّب فيه . وجعل الأليم من صفة اليوم وهو من صفة العذاب ، إذ كان العذاب فيه كما قيل : وَجَعَلَ اللّيْلَ سَكَنا وإنما السّكن من صفة ما سكن فيه دون الليل .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَن لَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ أَلِيمٖ} (26)

{ أن لا تعبدوا إلا الله } بدل من { أني لكم } ، أو مفعول مبين ، ويجوز أن تكون أن مفسرة متعلقة ب { أرسلنا } أو ب { نذير } . { إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم } مؤلم وهو في الحقيقة صفة المعذب لكن يوصف به العذاب وزمانه على طريقة جد جده ونهاره صائم للمبالغة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَن لَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ أَلِيمٖ} (26)

وقوله { أن لا تعبدوا إلا الله } ظاهر في أنهم كانوا يعبدون الأوثان ونحوها ، وذلك بين في غير هذه الآية .

و { أليم } معناه مؤلم ، ووصف به اليوم وحقه أن يوصف به العذاب تجوزاً إذ العذاب في اليوم ، فهو كقولهم : نهار صائم وليل قائم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَن لَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ أَلِيمٖ} (26)

جملة { ألا تعبدوا إلاّ الله } مفسرة لجملة { أرسلنا } لأن الإرسال فيه معنى القول دون حروفه ، ويجوز كونها تفسيراً ل { نذير } لما في { نذير } من معنى القول ، كقوله في سورة نوح ( 2 ، 3 ) { قال يا قوم إني لَكمْ نَذير مبين أن اعبدوا الله واتّقوه } وهذا الوجه متعين على قراءة فتح همزة ( أني ) إذا اعتبرت ( أنّ ) تفسيرية . ويجوز جعل ( أنْ ) مخففة من الثقيلة فيكون بدلاً من { أني لكم نذير مبين } على قراءة فتح الهمزة واسمها ضمير شأن محذوفاً ، أي أنّه لا تعبدوا إلاّ الله .

وجملة { إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم } تعليل ل { نذير } لأن شأن النذارة أن تثقل على النفوس وتخَزُهم فكانت جديرة بالتعليل لدفع حرج ما يلاقونه .

ووصف اليوم بالأليم مجاز عقلي ، وهو أبلغ من أن يوصف العذاب بالأليم ، لأن شدة العذاب لما بلغت الغاية جعل زمانه أليماً ، أي مؤلماً .

وجملة { أخاف عليكم } ونحوها مثل أخشى عليك ، تستعمل للتوقّع في الأمر المظنون أو المقطوع به باعتبار إمكان الانفلات من المقطوع به ، كقول لبيد :

أخشى على أربَد الحتوف ولا *** أخشَى عليه الرياح والمَطرا

فيتعدّى الفعل بنفسه إلى الخوف منه ويتعدى إلى المخوف عليه بحرف ( على ) كما في الآية وبيت لبيد .

و ( العذاب ) هنا نكرة في المعنى ، لأنه أضيف إلى نكرة فكان محتملاً لعذاب الدنيا وعذاب الآخرة . فأما عذاب الدنيا فليس مقطوعاً بنزوله بهم ولكنه مظنون من نوح عليه السلام بناء على ما علمه من عناية الله بإيمان قومه وما أوحي إليه من الحرص في التبليغ ، فعلم أن شأن ذلك أن لا يترك مَن عَصَوْه دون عقوبة . ولذلك قال في كلامه الآتي { إنما يأتيكم به الله إن شاء } [ هود : 33 ] على ما يأتي هنالك . وكان العذاب شاملاً لعذاب الآخرة أيضاً إن بقوا على الكفر ، وهو مقطوع به لأنّ الله يقرن الوعيد بالدعوة ، فلذلك قال نوح عليه السلام في كلامه الآتي { وما أنتم بمعجزين } [ هود : 33 ] ، وقد تبادر إلى أذهان قومه عذاب الدنيا لأنهم لا يؤمنون بالبعث فلذلك قالوا في كلامهم الآتي { فأتنا بما تعدنا إن كنتم من الصادقين } [ هود : 32 ] . ولعلّ في كلام نوح عليه السّلام ما تفيدهم أنه توعدهم بعذاب في الدنيا وهو الطوفان .