معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَوۡ شِئۡنَا لَبَعَثۡنَا فِي كُلِّ قَرۡيَةٖ نَّذِيرٗا} (51)

قوله تعالى :{ ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً } رسولاً ينذرهم ، ولكن بعثناك إلى القرى كلها ، وحملناك ثقل نذارة جميعها ، لتستوجب بصبرك عليه ما أعددنا لك من الكرامة والدرجة الرفيعة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَوۡ شِئۡنَا لَبَعَثۡنَا فِي كُلِّ قَرۡيَةٖ نَّذِيرٗا} (51)

{ 51 - 52 } { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا }

يخبر تعالى عن نفوذ مشيئته وأنه لو شاء لبعث في كل قرية نذيرا ، أي : رسولا ينذرهم ويحذرهم فمشيئته غير قاصرة عن ذلك ، ولكن اقتضت حكمته ورحمته بك وبالعباد -يا محمد- أن أرسلك إلى جميعهم أحمرهم وأسودهم عربيهم وعجميهم إنسهم وجنهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَوۡ شِئۡنَا لَبَعَثۡنَا فِي كُلِّ قَرۡيَةٖ نَّذِيرٗا} (51)

جُملة اعتراض بين ذكر دلائل تفرد الله بالخَلق وذكر منّته على الخَلق . ومناسبة موقع هذه الجملة وتفريعِها بموقع الآية التي قبلها خفيَّة . وقال ابن عطية في قوله { ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً } : اقتضاب يدل عليه ما ذكر . تقديره : ولكنّا أفردناك بالنذارة وحمَّلْناك { فلا تطع الكافرين } اه .

فإن كان عنى بقوله : اقتضابٌ ، معنى الاقتضاب الاصطلاحي بين علماء الأدب والبيان ، وهو عدم مراعاة المناسبة بين الكلام المنتقَل منه والكلام المنتقَل إليه ، كان عدولاً عن التزام تطلب المناسبة بين هذه الآية والآية التي قبلها ، وليس الخلوّ عن المناسبة ببِدْع فقد قال صاحب « تلخيص المفتاح » « وقد يُنقل منه ( أي مما شبِّب به الكلام ) إلى ما لا يلائمه ( أي لا يناسب المنتقل منه ) ويسمى الاقتضابَ وهو مذهب العرب ومن يليهم من المُخَضْرمين » الخ . وإذا كان ابن عطية عنى بالاقتضاب معنى القطع ( أي الحذف من الكلام ) أي إيجاز الحذف كما يشعر به قوله « يدل عليه ما ذُكر تقديره إلخ » ، كأن لم يعرج على اتصال هذه الآية بالتي قبلها .

وفي « الكشاف » : « ولو شئنا لخففنا عنك أعباء نِذارة جميع القرى ولبعثنا في كل قرية نبيئاً يُنذرها ، وإنما قصرْنا الأمر عليك وعظَّمناك على سائر الرسل ( أي بعموم الدعوة ) فقابِل ذلك بالتصبر » اه . وقد قال الطِّيبي : « ومدار السورة على كونه صلى الله عليه وسلم مبعوثاً إلى الناس كافة ولذلك افتتحت بما يُثبت عموم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس بقوله تعالى : { لِيكونَ للعالمين نذيراً } [ الفرقان : 1 ] .

وليس في كلام « الكشاف » والطيبي إلاّ بيانُ مناسبة الآية لِمهمّ أغراض السورة دون بيان مناسبتها للتي قبلها .

والذي أختاره أن هذه الآية متصلة بقوله تعالى : { وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملةً واحدة } [ الفرقان : 32 ] الآية ، فبعد أن بيّن إبطال طعنهم فقال : { كذلك لِنُثَبِّتَ به فؤادك } [ الفرقان : 32 ] انتقل إلى تنظير القرآن بالكتاب الذي أوتيه موسى عليه السلام وكيف استأصل الله من كذبوه ، ثم استطرد بذكر أمم كذبوا رسلهم ، ثم انتقل إلى استهزاء المشركين بالنبي صلى الله عليه وسلم وأشار إلى تحَرج النبي صلى الله عليه وسلم من إعراض قومه عن دعوته بقوله : { أرأيت مَن اتخذ إلههُ هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً } [ الفرقان : 43 ] .

وتسلسل الكلام بضرب المَثَل بمَدّ الظل وقبضِه ، وبحال اللّيل والنّهار ، وبإرسال الرياح ، أمارة على رحمة غيثه الذي تحيا به الموات حتى انتهى إلى قوله : { ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً } ويؤيد ما ذكرنا اشتمال التفريع على ضمير القرآن في قوله { وجاهدهم به } .

ومما يزيد هذه الآية اتصالاً بقوله تعالى : { وقال الذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة } [ الفرقان : 32 ] أن في بعث نذير إلى كل قرية ما هو أشدّ من تنزيل القرآن مُجَزَّأً ؛ فلو بعَث الله في كل قرية نذيراً لقال الذين كفروا : لولا أرسل رسولٌ واحد إلى الناس جميعاً فإن مطاعنهم لا تقف عند حد كما قال تعالى : { ولو جعلناه قرآنا أعجمياً لقالوا لولا فُصِّلت آياتُه أأعجمي وعَربي } في سورة حم فصلت ( 44 ) .