مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَلَوۡ شِئۡنَا لَبَعَثۡنَا فِي كُلِّ قَرۡيَةٖ نَّذِيرٗا} (51)

أما قوله تعالى : { ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا } فالأقوى أن المراد من ذلك تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لوجوه . أحدها : كأنه تعالى بين له أنه مع القدرة على بعثة رسول ونذير في كل قرية خصه بالرسالة وفضله بها على الكل ولذلك أتبعه بقوله : { فلا تطع الكافرين } أي لا توافقهم . وثانيها : المراد ولو شئنا لخففنا عنك أعباء الرسالة إلى كل العالمين و{ لبعثنا في كل قرية نذيرا } ولكنا قصرنا الأمر عليك وأجللناك وفضلناك على سائر الرسل ، فقابل هذا الإجلال بالتشدد في الدين . وثالثها : أن الآية تقتضي مزج اللطف بالعنف لأنها تدل على القدرة على أن يبعث في كل قرية نذيرا مثل محمد ، وأنه لا حاجة بالحضرة الإلهية إلى محمد البتة ، وقوله : { ولو } يدل على أنه سبحانه لا يفعل ذلك ، فبالنظر إلى الأول يحصل التأديب ، وبالنظر إلى الثاني يحصل الإعزاز .