اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَوۡ شِئۡنَا لَبَعَثۡنَا فِي كُلِّ قَرۡيَةٖ نَّذِيرٗا} (51)

قوله تعالى : { وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً } رسولاً ينذرهم ، والمراد من ذلك تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه :

أحدها : أنه تعالى بين أنه مع القدرة على بعثه نذيراً ورسولاً في كل قرية خصه بالرسالة وفضّله بها على الكل ، ولذلك أتبعه بقوله : { فَلاَ تُطِعِ الكافرين } أي : لا توافقهم .

وثانيها : المراد : ولو شئنا لخففنا عنك أعباء الرسالة إلى كل العالمين و{ لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً } ولكنا قصرنا الأمر عليك وأجللناك وفضلناك على سائر الرسل ، فقابل هذا الإجلال بالتشدُّد{[36387]} في الدين .

وثالثها : أن الآية تقتضي مزج اللطف بالعنف ، لأنها تدل على القدرة على أن يبعث في كل قرية نذيراً مثل محمد ، وأنه لا حاجة بالحضرة الإلهية إلى محمد البتة .

وقوله : «ولَوْ شِئْنَا » يدل على أنه تعالى لا يفعل ذلك{[36388]} . والمعنى : ولكن بعثناك إلى القُرَى كلها وحمَّلناك ثقل نذارة{[36389]} جميعها لتستوجب بصبرك عليه ما أعتدنا لك من الكرامة والدرجة الرفيعة{[36390]} .


[36387]:في ب: بالتشديد. وهو تصحيف.
[36388]:انظر الفخر الرازي 24/99.
[36389]:نذارة: سقط من ب.
[36390]:انظر البغوي 6/185.