معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذۡنَا مُتۡرَفِيهِم بِٱلۡعَذَابِ إِذَا هُمۡ يَجۡـَٔرُونَ} (64)

قوله تعالى : { حتى إذا أخذنا مترفيهم } أي : أخذنا أغنياءهم ورؤساءهم ، { بالعذاب } قال ابن عباس : هو السيف يوم بدر . وقال الضحاك : يعني الجوع حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف " فابتلاهم الله عز وجل بالقحط حتى أكلوا الكلاب والجيف . { إذا هم يجأرون } يضجون ويجزعون ويستغيثون ، وأصل الجأر : رفع الصوت بالتضرع .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذۡنَا مُتۡرَفِيهِم بِٱلۡعَذَابِ إِذَا هُمۡ يَجۡـَٔرُونَ} (64)

{ حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ } أي : متنعميهم ، الذين ما اعتادوا إلا الترف والرفاهية والنعيم ، ولم تحصل لهم المكاره ، فإذا أخذناهم { بِالْعَذَابِ } ووجدوا مسه { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } يصرخون ويتوجعون ، لأنه أصابهم أمر خالف ما هم عليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذۡنَا مُتۡرَفِيهِم بِٱلۡعَذَابِ إِذَا هُمۡ يَجۡـَٔرُونَ} (64)

و { حتى } حرف ابتداء لا غير ، و { إذا } والثانية{[8513]} التي هي جواب تمنعان من أن تكون { حتى } غاية ل { عاملون } ، و «المترف » هو المنعم في الدنيا الذي هو منها في سرف وهذه حال شائعة في رؤساء الكفرة من كل أمة و { يجأرون } معناه يستغيثون بصياح كصياح البقر وكثر استعمال الجؤار في البشر ومنه قول الأعشى : [ المتقارب ]

يراوح من صلوات المليك . . . فطوراً سجوداً وطوراً جؤارا{[8514]}

وذهب مجاهد وغيره إلى أن هذا العذاب المذكور وهو الوعيد بيوم بدر وفيه نفذ على { مترفيهم } والضمير في قوله { إذا هم } يحتمل أن يعود على «المترفين » فقط لأنهم صاحوا حين نزل بهم الهزم والقتل يوم بدر ، ويحتمل أن يعود على الباقين بعد المعذبين وقد حكى ذلك الطبري عن ابن جريح قال : المعذبون قتلى بدر والذين { يجأرون } قتلى مكة لأنهم ناحوا واستغاثوا{[8515]} .


[8513]:نص الكلام في الأصول "وإذا والثانية هي جواب".
[8514]:البيت من قصيدة للأعشى يمدح بها قيس بن معد يكرب، وقبله يقول: وما أيبلي على هيكل بناه وصلب فيه وصارا والأيبلي هو الرهب الذي يحمل العصا التي يضرب بها الناقوس وتسمى الأيبل، ويراوح بين الأمرين: يفعل هذا مرة ويفعل هذا مرة، والجؤار: رفع الصوت مع تضرع واستغاثة، والجؤار كالخوار، معناهما واحد، وجواب قوله: "وما أيبلي..." يأتي في بيت ثالث يقول فيه: "بأعظم منه تقى في الحساب"، فالأعشى يقول عن ممدوحه الذي وصفه قبل ذلك بالكرم والشجاعة: إنه تقي نقي يرعى الله ويخافه، ويتضرع إليه في صلواته، وحتى الراهب المنقطع للعبادة والصلاة، والذي لا يكف عن السجود والجؤار لله ليس بأتقى من قيس هذا. والمؤلف يستشهد بالبيت على أن الجؤار هو رفع الصوت بالدعاء، وأنه يوصف به البشر كما يوصف به البقر.
[8515]:وبهذا يكون قد جمع بين الرأيين الواردين في معنى الآية، واللذين يعرفان من كلام المؤلف رحمه الله.