فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذۡنَا مُتۡرَفِيهِم بِٱلۡعَذَابِ إِذَا هُمۡ يَجۡـَٔرُونَ} (64)

ثم رجع سبحانه إلى وصف الكفار فقال :

{ حَتَّى } ابتدائية أو حرف جر أو غائية عاطفة ، أقوال { إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } مبينة لما قبلها ، والضمير راجع إلى ما تقدم ذكره من الكفار ، والمراد بالمترفين المتنعمون منهم وهم الذين أمدهم الله بما تقدم ذكره من المال والبنين أو المراد بهم الرؤساء منهم ، والمراد بالعذاب هو عذابهم بالسيف يوم بدر ، أو بالجوع بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم حيث قال : ( اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف ) {[1262]} .

وقيل المراد عذاب الآخرة ورجح هذا بأن ما يقع منهم من الجؤار إنما يكون عند عذاب الآخرة لأنه الاستغاثة بالله ، ولم يقع منهم ذلك يوم بدر ولا سني الجوع ، ويجاب عنه بأن الجؤار في اللغة الصراخ والصياح .

قال الجوهري : الجؤار مثل الخوار ، يقال : جأر الثور يجأر أي صاح وقد وقع منهم ومن أهلهم وأولادهم عند أن عذبوا بالسيف يوم بدر ، وبالجوع في سني الجوع ، وليس الجؤار هنا مقيدا بالجؤار الذي هو التضرع بالدعاء حتى يتم ما ذكره هذا القائل وجملة { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } جواب الشرط وإذا هي الفجائية والمعنى حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب فأجاءوا الصراخ .

قال ابن عباس : يجأرون يستغيثون أي بربهم ، ويلتجئون إليه في كشف العذاب عنهم ، ومع ذلك لا ينفعهم ،


[1262]:مسلم 675 ـ البخاري 483.