وقوله : { أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا } أي : ولو شاء لأهلك السفن وغرقها بذنوب أهلها الذين هم راكبون عليها{[25908]} { وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ } أي : من ذنوبهم . ولو أخذهم بجميع ذنوبهم لأهلك كل من ركب البحر{[25909]} .
وقال بعض علماء التفسير : معنى قوله : { أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا } أي : لو شاء لأرسل الريح قوية عاتية ، فأخذت السفن وأحالتها {[25910]} عن سيرها المستقيم ، فصرفتها ذات اليمين أو ذات الشمال ، آبقة لا تسير على طريق ، ولا إلى جهة مقصد .
وهذا القول هو يتضمن هلاكها ، وهو مناسب للأول{[25911]} ، وهو أنه تعالى لو شاء لسكن الريح فوقفت ، أو لقواه فشردت وأبقت وهلكت . ولكن من لطفه{[25912]} ورحمته أنه يرسله بحسب الحاجة ، كما يرسل المطر بقدر الكفاية ، ولو أنزله كثيرا جدا لهدم البنيان ، أو قليلا لما أنبت الزرع {[25913]} والثمار ، حتى إنه يرسل إلى مثل بلاد مصر سيحا من أرض أخرى غيرها{[25914]} ؛ لأنهم لا يحتاجون إلى مطر ، ولو أنزل عليهم لهدم بنيانهم ، وأسقط جدرانهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { أَوْ يُوبِقْهُنّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ * وَيَعْلَمَ الّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيَ آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مّن مّحِيصٍ * فَمَآ أُوتِيتُمْ مّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىَ لِلّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىَ رَبّهِمْ يَتَوَكّلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : أو يوبقْ هذه الجواري في البحر بما كسبت ركبانها من الذنوب ، واجترموا من الاَثام ، وجزم يوبقهنّ ، عطفا على يُسْكِنِ الرّيحِ ومعنى الكلام إن يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره ، أَوْ يُوبِقْهُنّ ويعني بقوله : أَوْ يُوبِقْهُنّ أو يهلكهنّ بالغرق . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : أوْ يُوبِقْهُنّ يقول : يهلكهنّ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : أوْ يُوبِقْهُنّ : أو يهلكهنّ .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ أو يُوبِقْهُنّ قال : يغرقهن بما كسبوا . وبنحو الذي قلنا في قوله : بِمَا كَسَبُوا قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أوْ يُوبِقْهُنّ بِمَا كَسَبُوا : أي بذنوب أهلها .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة أوْ يُوبِقْهُنّ بِمَا كَسَبُوا قال : بذنوب أهلها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : أوْ يُوبِقْهُنّ بِمَا كَسَبوا قال : يوبقهنّ بما كسبت أصحابهنّ .
وقوله : وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ يقول : ويصفح تعالى ذكره عن كثير من ذنوبكم فلا يعاقب عليها .
و{ يوبقهن } : يهلكهن . والإيباق : الإهلاك ، وفعله وَبَق كوَعد . والمراد به هنا الغرق ، فيجوز أن يكون ضمير جماعة الإناثثِ عائداً إلى { الجواري } على أن يستعار الإيباق للإغراق لأنّ الإغراقَ إتلاف . ويجوز أن يكون الضمير عائداً إلى الراكبين على تأويل معاد الضمير بالجماعات بقرينة قوله : { بما كسبوا } فهو كقوله : { وعلى كل ضامرٍ يأتين من كلّ فجّ عميق ليشهدُوا منافع لهم } [ الحج : 27 ] .
والباء للسببية وهو في معنى قوله : { وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم } [ الشورى : 30 ] .
و{ يعف عن كثير } عطف على { يوبقهن } فهو في معنى جزاء للشرط المقدّر ، أي وإن يشأ يعفُ عن كثير فلا يوبقهم مع استحقاقهم أن يُوبَقوا . وهذا العطف اعتراض .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.