{ 160 - 175 } { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ } .
إلى آخر القصة ، قال لهم وقالوا كما قال من قبلهم ، تشابهت قلوبهم في الكفر ، فتشابهت أقوالهم ، وكانوا - مع شركهم - يأتون فاحشة لم يسبقهم إليها أحد من العالمين ، يختارون نكاح الذكران ، المستقذر الخبيث ، ويرغبون عما خلق لهم من أزواجهم لإسرافهم وعدوانهم .
ثم يواجههم باستنكار خطيئتهم الشاذة التي عرفوا بها في التاريخ :
( أتأتون الذكران من العالمين ? وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم ? بل أنتم قوم عادون ) .
والخطيئة المنكرة التي عرف بها قوم لوط [ وقد كانوا يسكنون عدة قرى في وادي الأردن ] هي الشذوذ الجنسي بإتيان الذكور ، وترك النساء . وهو انحراف في الفطرة شنيع . فقد برأ الله الذكر والأنثى ؛ وفطر كلا منهما على الميل إلى صاحبه لتحقيق حكمته ومشيئته في امتداد الحياة عن طريق النسل ، الذي يتم باجتماع الذكر والأنثى . فكان هذا الميل طرفا من الناموس الكوني العام ، الذي يجعل كل من في الكون وكل ما في الكون في حالة تناسق وتعاون على إنفاذ المشيئة المدبرة لهذا الوجود . فأما إتيان الذكور الذكور فلا يرمي إلى هدف ، ولا يحقق غاية ، ولا يتمشى مع فطرة هذا الكون وقانونه . وعجيب أن يجد فيه أحد لذة . واللذة التي يجدها الذكر والأنثى في التقائهما إن هي إلا وسيلة الفطرة لتحقيق المشيئة . فالانحراف عن ناموس الكون واضح في فعل قوم لوط . ومن ثم لم يكن بد أن يرجعوا عن هذا الانحراف أو أن يهلكوا ، لخروجهم من ركب الحياة ، ومن موكب الفطرة ، ولتعريهم من حكمة وجودهم ، وهي امتداد الحياة بهم عن طريق التزاوج والتوالد .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم} يعني بالأزواج فروج نسائكم {بل أنتم قوم عادون} يعني: معتدين.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 165]
يعني بقوله:"أتأْتُونَ الذّكْرَانَ مِنَ العالَمِينَ": أتنكحون الذكران من بني آدم في أدبارهم. وقوله: "وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبّكُمْ مِنْ أزْوَاجِكُمْ "يقول: وتدعون الذي خلق لكم ربكم من أزواجكم من فروجهنّ، فأحلّه لكم. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله: «وَتَذَرُونَ ما أصْلَحَ لَكُمْ رَبّكُمْ مِنْ أزْوَاجِكُمْ».
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم} أي تذرون ما جعل الله ذلك طلبا لإبقاء هذا النسل، لأنه لم يجعل النساء لهم لقضاء الشهوة خاصة، ولكن إنما جعل لهم الأزواج لإبقاء هذا النسل ودوامه، فيعيرهم لوط بتركهم إتيان النساء لما في ذلك انقطاع ما جعلن له، وهو إبقاء النسل واشتغالهم بالرجال. وليس في ذلك إبقاء النسل.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
ثم قال لهم منكرا عليهم "بل أنتم قوم عادون "أي خارجون عن الحق بعيدون عنه. والعادي والظالم والجائر نظائر، والعادي من العدوان.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{مّنْ أزواجكم} يصلح أن يكون تبييناً لما خلق، وأن يكون للتبعيض، ويراد بما خلق: العضو المباح منهنّ. وفي قراءة ابن مسعود: «ما أصلح لكم ربكم من أزواجكم»، وكأنهم كانوا يفعلون مثل ذلك بنسائهم. [بل أنتم قوم عادون] العادي: المتعدّي في ظلمه، المتجاوز فيه الحدّ، ومعناه: أترتكبون هذه المعصية على عظمها، بل أنتم قوم عادون في جميع المعاصي، فهذا من جملة ذاك، أو بل أنتم قوم أحقاء بأن توصفوا بالعدوان، حيث ارتكبتم مثل هذه العظيمة.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وتذرون} أي تتركون لهذا الغرض {ما خلق لكم} أي النكاح {ربكم} المحسن إليكم {من أزواجكم} أي وهن الإناث، على أن "من "للبيان، ويجوز أن تكون مبعضة، ويكون المخلوق كذلك هو القبل. ولما كانوا كأنهم قالوا: نحن لم نترك أزواجنا، حملاً لقوله على الترك أصلاً ورأساً وإن كانوا قد فهموا أن مراده تركهن حال الفعل في الذكور، قال مضرباً عن مقالهم هذا المعلوم تقديره لما أرادوه به، حيدة عن الحق، وتمادياً في الفجور: {بل أنتم قوم عادون} أي تركتم الأزواج بتعدي الفعل بهن وتجاوزه إلى الفعل بالذكران، وليس ذلك ببدع من أمركم، فإن العدوان -الذي هو مجاوزة الحد في الشر- وصف لكم أنتم عريقون فيه، فلذلك لا تقفون عند حد حده الله تعالى.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 165]
والخطيئة المنكرة التي عرف بها قوم لوط [وقد كانوا يسكنون عدة قرى في وادي الأردن] هي الشذوذ الجنسي بإتيان الذكور، وترك النساء. وهو انحراف في الفطرة شنيع... ومن ثم لم يكن بد أن يرجعوا عن هذا الانحراف أو أن يهلكوا، لخروجهم من ركب الحياة، ومن موكب الفطرة..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وفي الإتيان بالجملة الاسمية في قوله: {أنتم قوم عادون} دون أن يقول: بل كنتم عادين، مبالغة في تحقيق نسبة العدوان إليهم. وفي جعل الخبر {قوم عادون} دون اقتصار على {عَادون} تنبيه على أن العدوان سجية فيهم حتى كأنه من مقومات قوميتهم.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
الانحراف الجنسي انحراف مخجل أشار القرآن في سور متعددة منه كالأعراف وهود والحِجر والأنبياء والنمل والعنكبوت، إلى ما كان عليه قوم لوط من الوزر الشنيع... إلاّ أن تعابيره في السور المذكورة آنفاً يختلف بعضها عن بعض... وفي الحقيقة إن كل تعبير من هذه التعابير يشير إلى بُعد من أبعاد عملهم الشنيع:
ففي «الأعراف» نقرأ مخاطبة لوط إيّاهم (بل أنتم قوم مسرفون). وفي الآية (74) سورة الأنبياء يتحدث القرآن عن لوط فيقول: (ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين). أمّا في الآية محل البحث فقد قرأنا مخاطبة لوط إياهم بقوله: (بل أنتم قوم عادون). وجاء في الآية (55) من سورة النمل قوله لهم: (بل أنتم قوم تجهلون) «الآية 55». كما جاء في الآية (29) من سورة العنكبوت على لسان لوط مخاطباً إيّاهم (إنّكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل). وهكذا فقد ذُكر هذا العمل القبيح بعناوين «إسراف»، «خبيث»، «فسق»، «تجاوز»، «جهل»، و«قطع السبيل». «الإسراف» من جهة أنّهم نسوا نظام الخلق في هذا الأمر، وتجاوزوا عن الحد، و«التعديّ» ذكر أيضاً لهذا السبب. و«الخبيث» هو ما ينفر منه طبع الإنسان السليم، وأيّ عمل أقبح من هذا العمل الذي يُنفَرُ منه؟! «الفسق» معناه الخروج عن الطاعة طاعة الله والتعري عن الشخصيّة الإنسانية، وهو من لوازم هذا العمل حتماً. و«الجهل» لعدم معرفتهم بعواقب هذا الفعل الوخيمة على الفرد والمجتمع!... وأخيراً فإن «قطع السبيل» هو النتيجة السيئة لهذا الفعل، لأنّه سيؤدي إلى انقطاع النسل عند اتساع هذا الفعل، لأنّ العلاقة نحو الجنس المشابه ستحل محل العلاقة نحو الجنس المخالف بالتدريج (كما هي الحال بالنسبة للواط والسحاق).