محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٌ عَادُونَ} (166)

وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } أي مجاوزون حد الحكمة في ترك محل الحرث ، الحافظ للنسل ، الذي به حفظ النوع البشري ، وإيثار ما لم يخلق لذلك ، شرها في الشهوة الحيوانية ، ومكافحة لتغيير الأوضاع الربانية .

ونقل السيوطي في ( الإكليل ) عن محمد بن كعب القرظي ، أن معنى الآية : تذرون مثله من المباح . فاستدل بذلك على إباحة وطء الزوجة في دبرها . انتهى .

وخالفه غيره . فاستدل بها على حظره . وبيانه كما في ( الكشاف ) و ( حواشيه ) أن { من } إما تبيين لما خلق ، أو للتبعيض . ويراد به العضو المباح منهن ، تعريضا بأنهم كانوا يفعلون ذلك بنسائهم . ومن الوجه الثاني يستدل على حظر إتيان المرأة في غير المأتى . وتقريره في ( الانتصاف ) أن { من } لو كانت بيانا لكان المعنى حينئذ على ذمهم بترك الأزواج . ولا شك أن ترك الأزواج مضموم إلى إتيان الذكران . وحينئذ يكون المنكر عليهم الجمع بين ترك الأزواج وإتيان الذكران ، لا أن ترك الأزواج وحده منكر . ولو كان الأمر كذلك ، لكان النصب في الثاني متوجها إلى الجمع . وكان إما الأفصح أو المتعين . وقد اجتمعت العامة – عامة القراء – على أن القراءة به مرفوعا ولا يتفقون على ترك الأفصح إلى ما لا مدخل له في الفصاحة ، أو في الجواز أصلا . فلما وضح ذلك تبين أن هذا المعنى غير مراد . فتعين حمل { من } على البعضية . فيكون المنكر عليهم أمرين ، كل واحد منهما مستقل بالإنكار : أحدهما إتيان الذكران . والثاني مجانبة إتيان النساء في المأتى ، رغبة في إتيانهن في غيره . وحينئذ يتوجه الرفع لفوات الجمع اللازم على الوجه الأول ، واستقلال كل واحد من هاتين العظيمتين بالنكير . انتهى .

ومثله من دقيق الاستنباط الذي يوسع المدارك ويفتح للتفهم أبوابا ، وإن أمكن أن يقال إن سياق الآية في الملام لهم ، أعم مما ذكره ومن غيره . والله أعلم .