اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمۡ رَبُّكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٌ عَادُونَ} (166)

قوله : «مِنْ أَزْوَاجِكُمْ » . يصلح أن يكون تبييناً ، وأن يكون للتبعيض ، ويُراد بِمَا خلق العضو المباح منهن ، وكانوا يفعلون مثل ذلك بنسائهم{[37707]} . { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } . معتدون مجاوزون الحلال إلى الحرام ، والعادي : المعتدي في ظلمه .

والمعنى : أتركبون هذه المعصية على عظمها { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } في جميع المعاصي{[37708]}

فصل :

قال القاضي عبد الجبار في تفسير قوله : { وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ } دليل على بطلان الجبر من وجوه :

الأول : أنه لا يقال : «تَذَرُونَ » إلاَّ مع القدرة على خلافه ، ولذلك لا يقال للمرء : لم تذر الصعود إلى السماء ، كما يقال : لم تذر ( الدخول و ){[37709]} الخروج .

الثاني : أنه قال : { مَا خَلَقَ لَكُمْ } ولو كان الفعل لله تعالى لكان الذي خلقه لهم ما خلقه فيهم وأوجبه لا ما لم يفعلوه .

الثالث : قوله تعالى : { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ } لإن كان تعالى خلق فيهم ما كانوا يعملون ، فكيف ينسبون إلى أنهم تعدوا ؟ وهل يقال للأسود : إنك متعد في لونك ؟ وأجيب بأن حاصل هذه الوجوه يرجع إلى أن العبد لو لم يكن موجداً لأفعال نفسه لما توجه المدح والذم والأمر والنهي عليه ، ( وليس لهذه ){[37710]} الآية في هذا المعنى خاصية أزيد مما ورد من الأمر والنهي والمدح والذم في قصة إبراهيم وموسى ونوح وسائر القصص ، فكيف خَصَّ هذه القصة بهذه الوجوه دون سائِر القصص . وإذا{[37711]} ثبت أن هذه الوجوه هي ذلك الوجه المشهور فالجواب عنها هما{[37712]} الجوابان المشهوران :

الأول : أنَّ اللَّهَ تعالى لمّا علم وقوع هذه الأشياء ، فعدمها محال ، لأَنّ عدمها يستلزم انقلاب العلم جهلاً ، وهو محال ، والمفضي إلى المحال محال ، وإن كان عدمها محالاً كان التكليف بالترك تكليفاً بالمحال .

الثاني : أنَّ القادر لما كان قادراً على الضدين امتنع أن يرجح أحد المقدورين على الآخر لا لمرجح ، والمرجح : هو الداعي والإرادة ، وذلك المرجح مرجح محدث ، فله مؤثر ، وذلك المؤثر إن كان هو العبد لزم التسلسل ، وهو محال ، وإن كان هو الله تعالى فذاك الجبر على قولك ، فثبت بهذين البرهانين القاطعين سقوط ما قاله{[37713]} .


[37707]:انظر الكشاف 3/123-124، الفخر الرازي 24/161.
[37708]:المرجعان السابقان.
[37709]:ما بين القوسين تكملة من الفخر الرازي.
[37710]:ما بين القوسين في الفخر الرازي: ولهذه.
[37711]:في ب: إذا.
[37712]:في ب: هو. وهو تحريف.
[37713]:انظر الفخر الرازي 24/161-162.