{ الذين هم على صلاتهم دائمون } يقيمونها في أوقاتها يعني الفرائض .
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، حدثنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أنبأنا عبد الله بن محمود ، أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن ابن لهيعة ، حدثني يزيد بن أبي حبيب : أن أبا الخير أخبره قال : سألنا عقبة ابن عامر عن قول الله تعالى : { الذين هم على صلاتهم دائمون } أهم الذين يصلون أبداً ؟ قال : لا ، ولكنهم إذا صلوا لم يلتفتوا عن يمينهم ولا عن شمائلهم ولا من خلفهم .
وصفة المؤمنين المستثنين من الهلع ، تلك السمة العامة للإنسان ، يفصلها السياق هنا ويحددها :
( إلا المصلين . الذين هم على صلاتهم دائمون ) . .
والصلاة فوق أنها ركن الإسلام وعلامة الإيمان ، هي وسيلة الاتصال بالله والاستمداد من ذلك الرصيد . ومظهر العبودية الخالصة التي يتجرد فيها مقام الربوبية ومقام العبودية في صورة معينة . وصفة الدوام التي يخصصها بها هنا : ( الذين هم على صلاتهم دائمون ) . . تعطي صورة الاستقرار والاستطراد ، فهي صلاة لا يقطعها الترك والإهمال والكسل وهي صلة بالله مستمرة غير منقطعة . . وقد كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] إذا عمل شيئا من العبادة أثبته - أي داوم عليه - وكان يقول : " وإن أحب الأعمال إلى الله تعالى ما دام وإن قل " . . لملاحظة صفة الاطمئنان والاستقرار والثبات على الاتصال بالله ، كما ينبغي من الاحترام لهذا الاتصال . فليس هو لعبة توصل أو تقطع ، حسب المزاج !
قيل : معناه يحافظون على أوقاتهم وواجباتهم . قاله ابن مسعود ، ومسروق ، وإبراهيم النخعي .
وقيل : المراد بالدوام هاهنا السكون والخشوع ، كقوله : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } [ المؤمنون : 1 ، 2 ] . قاله عتبة بن عامر . ومنه الماء الدائم ، أي : الساكن الراكد .
وقيل : المراد بذلك الذين إذا عملوا عملا داوموا عليه وأثبتوه ، كما جاء في الصحيح عن عائشة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلّ " . وفي لفظ : " ما داوم عليه صاحبه " ، قالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملا داوم عليه . وفي لفظ : أثبته{[29327]} .
وقال قتادة في قوله : { الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ } ذُكر لنا أن دانيال ، عليه السلام ، نعت أمة محمد صلى الله عليه وسلم فقال : يصلون صلاة لو صلاها قوم نوح ما غرقوا ، أو قوم عاد ما أرسلت عليهم الريح العقيم ، أو ثمود ما أخذتهم الصيحة . فعليكم بالصلاة فإنها خُلُق للمؤمنين حسن .
وقرأ الجمهور : «على صلاتهم » بالإفراد ، وقرأ الحسن : «صلواتهم » بالجمع . وقوله تعالى : { دائمون } قال الجمهور المعنى : مواظبون قائمون لا يملون في وقت من الأوقات فيتركونها وهذا في المكتوب ، وأما النافلة فالدوام عليها الإكثار منها بحسب الطاقة ، وقد قال عليه السلام : «أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه »{[11326]} . وقال ابن مسعود : الدوام صلاتها لوقتها ، وتركها كفر ، وقال عقبة بن عامر : { دائمون } يقرؤون في صلاتهم ولا يلتفتون يميناً ولا شمالاً . ومنه الماء الدائم{[11327]} .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم نعتهم الله تعالى فقال {الذين هم على صلاتهم} يعني الصلوات الخمس.
{دائمون} بالليل والنهار لا يدعونها.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 22]
إلا الذين يطيعون الله بأداء ما افترض عليهم من الصلاة، وهم على أداء ذلك مقيمون لا يضيعون منها شيئا، فإن أولئك غير داخلين في عداد من خلق هلوعا، وهو مع ذلك بربه كافر لا يصلى لله.
وقيل: عُني بقوله: إلاّ المُصَلّينَ: المؤمنون الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقيل عُنِي به كلّ من صلى الخمس.
[عن] عقبة بن عامر الجُهَنيّ: "الّذِينَ هُمْ على صَلاتِهِمْ دائمُونَ" قال: هم الذين إذا صلوا لم يلتفتوا خَلْفَهم، ولا عن أيمانهم، ولا عنى شمائلهم.
[عن] عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «خُذُوا مِنَ العَمَلِ ما تُطِيقُونَ، فإنّ اللّهَ لا يَمَلّ حتى تَمَلّوا» قالت: وكان أحبّ الأعمال إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دُووم عليه قال: يقول أبو سلمة: إن الله يقول: الّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دَائمُونَ.
وقوله: " إلاّ المُصَلّينَ الّذِينَ هُمْ على صَلاتِهِمْ دائمُونَ "يقول: إلا الذين يطيعون الله بأداء ما افترض عليهم من الصلاة، وهم على أداء ذلك مقيمون لا يضيعون منها شيئا، فإن أولئك غير داخلين في عداد من خلق هلوعا، وهو مع ذلك بربه كافر لا يصلي لله.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 22]
{إلا المصلين} {الذين هم على صلاتهم دائمون} معناه، والله اعلم: لأن المصلين يقومون برياضة أنفسهم حتى يصرفوها عن خلقتها التي أنشئت عليها، ثم بين أن الذين [يقومون] برياضة أنفسهم، هم الذين يقومون على صلاتهم، دون الذين يقومون على الصلاة كسالى، ولا يداومون عليها، ولا ينفقون من أموالهم إلا عن كراهة. {إلا المصلين} {الذين هم على صلاتهم دائمون} معناه، والله اعلم: لأن المصلين يقومون برياضة أنفسهم حتى يصرفوها عن خلقتها التي أنشئت عليها، ثم بين أن الذين [يقومون] برياضة أنفسهم، هم الذين يقومون على صلاتهم، دون الذين يقومون على الصلاة كسالى، ولا يداومون عليها، ولا ينفقون من أموالهم إلا عن كراهة...
تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 22]
قيل: إدامتها هو إقامتها في أوقاتها. ويقال: ليست إدامتها أن يصلي أبدا، ولكن إدامتها أنه إذا صلى لم يلتفت يمينا ولا شمالا.
ويقال: إدامة الصلوات: ألا يتركها، وهذا قول حسن.
وعن بعض السلف هو ألا يؤخرها عن المواقيت.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت: كيف قال: {على صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ} ثم على صلاتهم يحافظون؟ قلت: معنى دوامهم عليها أن يواظبوا على أدائها لا يخلون بها ولا يشتغلون عنها بشيء من الشواغل، كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم. "أفضل العمل أدومه وإن قلّ " وقول عائشة: كان عمله ديمة. ومحافظتهم عليها أن يراعوا إسباغ الوضوء لها ومواقيتها ويقيموا أركانها ويكملوها بسنتها وآدابها، ويحفظوها من الإحباط باقتراف المآثم، فالدوام يرجع إلى أنفس الصلوات والمحافظة إلى أحوالها.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وقرأ الجمهور: «على صلاتهم» بالإفراد، وقرأ الحسن: «صلواتهم» بالجمع. وقوله تعالى: {دائمون} قال الجمهور المعنى: مواظبون قائمون لا يملون في وقت من الأوقات فيتركونها وهذا في المكتوب، وأما النافلة فالدوام عليها الإكثار منها بحسب الطاقة، وقد قال عليه السلام: «أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه». وقال ابن مسعود: الدوام صلاتها لوقتها.
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 22]
واعلم أنه استثنى من هذه الحالة المذكورة المذمومة من كان موصوفا بثمانية أشياء: أولها قوله: {إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون}... وهذا الاهتمام إنما يحصل تارة بأمور سابقة على الصلاة وتارة بأمور لاحقة بها، وتارة بأمور متراخية عنها، أما الأمور السابقة فهو أن يكون قبل دخول وقتها متعلق القلب بدخول أوقاتها، ومتعلق بالوضوء، وستر العورة وطلب القبلة، ووجدان الثوب والمكان الطاهرين، والإتيان بالصلاة في الجماعة، وفي المساجد المباركة، وأن يجتهد قبل الدخول في الصلاة في تفريغ القلب عن الوساوس والالتفات إلى ما سوى الله تعالى، وأن يبالغ في الاحتراز عن الرياء والسمعة، وأما الأمور المقارنة فهو أن لا يلتفت يمينا ولا شمالا، وأن يكون حاضر القلب عند القراءة، فاهما للأذكار، مطلعا على حكم الصلاة، وأما الأمور المتراخية فهي أن لا يشتغل بعد إقامة الصلاة باللغو واللهو واللعب، وأن يحترز كل الاحتراز عن الإتيان بعدها بشيء من المعاصي.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولذلك وصفهم بما يبين عراقتهم في الوصف لها فقال: {الذين هم} أي بكلية ضمائرهم وظواهرهم {على صلاتهم} أي التي هي معظم دينهم وهي النافعة لهم لا لغيرهم -بما أفادته الإضافة، والمراد الجنس الشامل لجميع الأنواع إلا أن معظم المقصود الفرض، ولذلك عبر بالاسم الدال على الثبات في قوله: {دائمون} أي لا فتور لهم عنها ولا انفكاك لهم منها بل يلازمونها ملازمة يحكم بسببها أنها في حال الفراغ منه نصب أعينهم بدوام الذكر لها والتهيئ لأدائها لأنها صلتهم بمعبودهم الذي لا خير عندهم إلا منه، فلم يكونوا ناسين لمساوئهم ولا آسين بمحاسنهم، وكفى بالصلاة بركة في دلالتها على النجاة من هذا الوصف الموجب لأسباب النار، وهي عبادة ذات شروط وأركان وأبعاض وهيئات وسنن وآداب مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، وهي منقسمة إلى ذات ركوع وسجود، وإلى ذات سجود بلا ركوع كسجدة الشكر والتلاوة، وإلى ما لا ركوع فيها ولا سجود كصلاة الجنازة...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 22]
وصفة المؤمنين المستثنين من الهلع، تلك السمة العامة للإنسان، يفصلها السياق هنا ويحددها: (إلا المصلين. الذين هم على صلاتهم دائمون).. والصلاة فوق أنها ركن الإسلام وعلامة الإيمان، هي وسيلة الاتصال بالله والاستمداد من ذلك الرصيد. ومظهر العبودية الخالصة التي يتجرد فيها مقام الربوبية ومقام العبودية في صورة معينة. وصفة الدوام التي يخصصها بها هنا: (الذين هم على صلاتهم دائمون).. تعطي صورة الاستقرار والاستطراد، فهي صلاة لا يقطعها الترك والإهمال والكسل وهي صلة بالله مستمرة غير منقطعة.. وقد كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إذا عمل شيئا من العبادة أثبته -أي داوم عليه- وكان يقول: "وإن أحب الأعمال إلى الله تعالى ما دام وإن قل".. لملاحظة صفة الاطمئنان والاستقرار والثبات على الاتصال بالله، كما ينبغي من الاحترام لهذا الاتصال. فليس هو لعبة توصل أو تقطع، حسب المزاج!
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ولما كان وصف {المصلين} غلب على المسلمين كما دل عليه قوله تعالى: {ما سلككم في سقَر قالوا لم نك من المصلين} الآية [المدثر: 42، 43]، أتبع وصف المصلين في الآية هذه بوصف {الذين هم على صلاتهم دائمون} أي مواظبون على صلاتهم لا يتخلفون عن أدائها ولا يتركونها. والدوام على الشيء: عدم تركه، وذلك في كل عمل بحسب ما يعتبر دواماً فيه، كما تقرر في أصول الفقه في مسألة إفادة الأمر التكرار. وفي إضافة (صلاة) إلى ضمير {المصلين} تنويه باختصاصها بهم، وهذا الوصف للمسلمين مُقابل وصف الكافرين في قوله: {بعذاب واقع للكافرين} [المعارج: 1، 2]. ومجيء الصلة جملةً اسمية دون أن يقال: الذين يدومون، لقصد إفادتها الثبات تقوية كمفاد الدوام. وإعادة اسم الموصول مع الصِّلات المعطوفة على قوله {الذين هم على صلاتهم دائمون} لمزيد العناية بأصحاب تلك الصِّلات.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
(الذين هم على صلاتهم دائمون). هذا هي الخصوصية الأُولى لهم وأنّهم مرتبطون باللّه بشكل دائم، وهذه الرابطة تتوثق بالصلاة، الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، والصلاة التي تربي روح الإنسان وتذكره دائماً باللّه تعالى، والسير بهذا الاتجاه سوف يمنعه من الغفلة والغرور، والغرق في بحر الشهوات، والوقوع في قبضة الشيطان وهوى النفس. ومن الطبيعي أنّ المراد من الإدامة على الصلاة ليس أن يكون دائماً في حال الصلاة، بل هو المحافظة على أوقات الصلاة المعينة.