تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ دَآئِمُونَ} (23)

الآيتان 22 و23 وقوله تعالى : { إلا المصلين } { الذين هم على صلاتهم دائمون } معناه ، والله اعلم : لأن المصلين يقومون برياضة أنفسهم حتى يصرفوها عن خلقتها التي أنشئت عليها ، ثم بين أن الذين [ يقومون ]{[22065]} برياضة أنفسهم ، هم الذين

يقومون على صلاتهم ، دون الذين يقومون على الصلاة كسالى ، ولا يداومون عليها ، ولا ينفقون من أموالهم إلا عن كراهة .

ثم قوله عز وجل : { الذين هم على صلاتهم دائمون } دوامهم عليها في لزوم ما عرفوها ، وهو أن يقيموها في أوقاتها ، ويحافظوا عليها ، دون أن يكون دوامهم أن يكونوا فيها أبدا .

ألا ترى إلى ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها ، وإن قل " ؟ [ مسلم 783/218 ] وأراد بقوله : " أدومها " لزومها في الوقت الذي أوجب .

فعلى ذلك [ الذين هم على صلاتهم دائمون }{[22066]} لا أن يكونوا أبدا فيها ، لأنهم إذا بقوا فيها أبدا كثر ذلك منهم ، فلا يكون لقوله : " وإن قل " معنى فثبت أن معنى الدوام ما وصف ، والله اعلم .

وجائز أن يكون المراد من المداومة ، هو أن يدوم على الأحوال التي تليق بالصلاة عند كونه فيها من الإقبال على المناجاة وترك الالتفات وتفريغ من الأشغال والوساوس .

وقال بعضهم : { الذين هم على صلاتهم دائمون } هو التطوع ، { والذين هم على صلاتهم يحافظون }[ الآية 34 والأنعام : 92 ] [ هي ]{[22067]} الفريضة {[22068]} . وتصديقه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا صلوا صلاة داموا عليها ، وكان صلى الله عليه وسلم يقول : " خير الأعمال أدومها ، وإن قل [ بنحوه مسلم : 783/218 ] .

وأصله : أن الله تعالى قال : { وأقاموا الصلاة } [ البقرة : 277و . . ] والإقامة على الشيء ، هي الدوام عليه ، لأنه إذا فعل الشيء مرة ، ثم تركه ، لم يوصف بالإقامة عليه .

فقوله : { دائمون } و { يقيمون } [ البقرة : 3 و . . . ] يقتضي معنى واحدا فيكون فيه إبانة أن الصلاة تلزم فعلها مرة بعد مرة ، وليست كالفرائض التي إذا أديت مرة سقطت من نحو الجهاد والحج .


[22065]:من م، ساقطة من الأصل.
[22066]:في الأصل وم: على أنفسهم.
[22067]:ساقطة من الأصل وم
[22068]:أدرج بعدها في الأصل وم.