الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ دَآئِمُونَ} (23)

وقوله : { الذين هُمْ على صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ } أي : مواظِبُون ، وقد قال عليه السلام : " أَحَبُّ العَمَلِ إلَى اللَّه مَا دَامَ عليه صاحبُه " ( ت ) : وقد تقدم في سورةِ «قَدْ أَفْلَحَ » ما جَاءَ في الخشوعِ ، قَالَ الغزاليُّ : فَيَنْبَغِي لك أنْ تفهمَ ما تقرؤه في صلاتِك ولاَ تَغْفُلَ في قراءَتِك عن أمْرِه سبحانَه ، ونهيه ، وَوَعْدِه ، وَوَعِيده ، ومواعظِه وأخبارِ أنبيائِه ، وذِكْرِ مِنَّتِه وإحْسَانِه ، فلكلِّ واحدٍ حَقٌّ ؛ فالرجَاءُ حق الوَعْدِ ، والخَوْفُ حقُّ الوعيد ، والعَزْمُ حق الأمْرِ والنّهي ، والاتِّعاظُ حقُّ الموعِظَة ، والشكرُ حقُّ ذكر المِنَّةِ ، والاعتبارُ حق ذِكْر أخبارِ الأنبياء ، ، قال الغزالي : وتكونُ هذه المعاني بِحَسَبِ دَرَجَاتِ الفَهْمِ ، ويكونُ الفَهْمُ بِحَسَبِ وُفُورِ العلمِ . وصَفَاءِ القلب ، ودَرَجَاتُ ذلكَ لاَ تَنْحَصِرُ ، فهذا حقُّ القراءةِ وهُوَ حَقُّ الأَذْكَارِ ، والتسبيحاتِ أيضاً ، ثم يُرَاعى الهيئةَ في القراءةِ ، فيرتِّلُ ولا يَسْرُدُ فإن ذلك أيْسَرُ للتأمُّلِ ، ويُفَرِّقُ بَيْن نَغْمَاتِه في آياتِ الرحمةِ وآياتِ العذاب ، والوعد والوعيد ، والتحميدِ والتعظيمِ ، انتهى من «الإحياء » ، ورَوَى ابن المبارك في «رقائقه » قال : أخبرنا ابن لَهِيعَةَ عن يزيد بن أبي حَبِيبٍ أنَّ أبا الخير حدَّثَهُ قال : سَأَلْنَا عقبةَ بنَ عامرٍ الجهنيَّ عن قوله عز وجل : { الذين هُمْ على صَلاَتِهِمْ دَائِمُونَ } أهُمُ الذين يصلُّون أبَداً ؟ قال : لا ، ولكنَّه الذي إذا صلى لم يلتفتْ عن يمينهِ ، ولا عن شماله ، ولا خَلْفَه ، انتهى .