{ 40 - 44 } { فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ * يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ }
هذا إقسام منه تعالى بالمشارق والمغارب ، للشمس والقمر والكواكب ، لما فيها من الآيات الباهرات على البعث ، وقدرته على تبديل أمثالهم ، وهم بأعيانهم ، كما قال تعالى : { وَنُنْشِئَكُمْ فِيمَا لَا تَعْلَمُونَ } .
واستطرادا في تهوين أمرهم ، وتصغير شأنهم ، وتنكيس كبريائهم ، يقرر أن الله قادر على أن يخلق خيرا منهم ، وأنهم لا يعجزونه فيذهبون دون ما يستحقون من جزاء أليم :
( فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون ، على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين ) .
والأمر ليس في حاجة إلى قسم . ولكن التلويح بذكر المشارق والمغارب ، يوحي بعظمة الخالق . والمشارق والمغارب قد تعني مشارق النجوم الكثيرة ومغاربها في هذا الكون الفسيح . كما أنها قد تعني المشارق والمغارب المتوالية على بقاع الأرض . وهي تتوالى في كل لحظة . ففي كل لحظة أثناء دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس يطلع مشرق ويختفي مغرب . . .
وأيا كان مدلول المشارق والمغارب ، فهو يوحي إلى القلب بضخامة هذا الوجود ، وبعظمة الخالق لهذا الوجود . فهل يحتاج أمر أولئك المخلوقين مما يعلمون إلى قسم برب المشارق والمغارب ، على أنه - سبحانه - قادر على أن يخلق خيرا منهم ، وأنهم لا يسبقونه ولا يفوتونه ولا يهربون من مصيرهم المحتوم ? ! .
ثم قال : { فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ } أي : الذي خلق السموات والأرض ، وجعل مشرقا ومغربا ، وسخر الكواكب تبدو من مشارقها وتغيب في مغاربها . وتقدير الكلام : ليس الأمر كما يزعمون أن لا معاد ولا حساب ، ولا بعث ولا نشور ، بل كل ذلك واقع وكائن لا محالة . ولهذا أتى ب " لا " في ابتداء القسم ليدل على أن المقسم عليه نفي ، وهو مضمون الكلام ، وهو الرد على زعمهم الفاسد في نفي يوم القيامة ، وقد شاهدوا من عظيم قدرة الله تعالى ما هو أبلغ من إقامة القيامة ، وهو خلق السموات والأرض ، وتسخير ما فيهما من المخلوقات من الحيوانات والجمادات ، وسائر صنوف الموجودات ؛ ولهذا قال تعالى : { لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ } [ غافر : 57 ] وقال تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ الأحقاف : 33 ] . وقال تعالى في الآية الأخرى : { أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ يس : 81 ، 82 ] . وقال هاهنا : { فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ }
القول في تأويل قوله تعالى : { فَلاَ أُقْسِمُ بِرَبّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنّا لَقَادِرُونَ * عَلَىَ أَن نّبَدّلَ خَيْراً مّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتّىَ يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ الّذِي يُوعَدُونَ } .
يقول تعالى ذكره : فلا أقسم بربّ مشارق الأرض ومغاربها إنّا لَقادِرُونَ على أنْ نُبَدّلَ خَيْرا مِنْهُمْ يقول : إنا لقادرون على أن نهلكهم ، ونأتي بخير منهم من الخلق يطيعونني ولا يعصونني وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ يقول تعالى ذكره : وما يفوتنا منهم أحد بأمر نريده منه ، فيعجزنا هربا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا علية ، قال : أخبرنا عمارة بن أبي حفصة ، عن عكرمة ، قال : قال ابن عباس : إن الشمس تطلع كلّ سنة في ثلاث مئة وستين كوّة ، تطلع كلّ يوم في كوّة ، لا ترجع إلى تلك الكوّة إلى ذلك اليوم من العام المقبل ، ولا تطلع إلا وهي كارهة ، تقول : ربّ لا تطلعني على عبادك ، فإني أراهم يعصونك ، يعملون بمعاصيك أراهم ، قال : أو لم تسمعوا إلى قول أمية بن أبي الصلت :
قلت : يا مولاه وتجلد الشمس ؟ فقال : عَضَضْتَ بِهَنِ أبيك ، إنما اضطره الرويّ إلى الجلد .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني ابن عمارة ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس في قول الله : رَبّ المَشارِقِ والمَغارِبِ قال : إن الشمس تطلع من ثلاث مئة وستين مطلعا ، تطلع كلّ يوم من مطلع لا تعود فيه إلى قابل ، ولا تطلع إلا وهي كارهة ، قال عكرِمة : فقلت له : قد قال الشاعر :
قال : فقال ابن عباس : عضِضت بهن أبيك ، إنما اضطره الرويّ .
حدثنا خلاد بن أسلم ، قال : أخبرنا النضر ، قال : أخبرنا شعبة ، قال : أخبرنا عمارة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : إن الشمس تطلع في ثلاث مئة وستين كوّة ، فإذا طلعت في كوّة لم تطلع منها حتى العام المقبل ، ولا تطلع إلا وهي كارهة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس فَلا أُقْسِمُ بِرَبّ المَشارَقِ وَالمَغارِبِ قال : هو مطلع الشمس ومغربها ، ومطلع القمر ومغربه .
وجملة ( لا أقسم برب المشارق ) الخ معترضة بين الفاء وما عطفته .
والقَسَم بالله بعنوان ربوبيته المشارقَ والمغارب معناه : ربوبيته العالم كله لأن العالم منحصر في جهات شروق الشمس وغروبها .
وجمع { المشارق والمغارب } باعتبار تعدد مطالع الشمس ومغاربها في فصول السنة فإن ذلك مظهر عجيب من مظاهر القدرة الإلهية والحكمةِ الربانية لدلالته على عظيم صنع الله من حيث إنه دال على الحركات الحافة بالشمس التي هي من عظيم المخلوقات ، ولذلك لم يذكر في القرآن قسَم بجهة غير المشرق والمغرب دون الشمال والجنوب مع أن الشمال والجنوب جهتان مشهورتان عند العرب ، أقسم الله به على سُنة أقسام القرآن .
وفي إيثار { المشارق والمغارب } بالقسم بربها رَعي لمناسبة طلوع الشمس بعد غروبها لتمثيل الإِحياءِ بعد الموت .
وتقدم القول في دخول حرف النفي مع ( لا أقسم ) عند قوله : { فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون } في سورة الحاقة ( 38 ، 39 ) ، وقوله : { فلا أقسم بمواقع النجوم } في سورة الواقعة ( 75 ) .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فلا أقسم} يقول: أقسم {برب المشارق والمغارب}، فأقسم الله تعالى بالمشارق والمغارب، فقال: {إنا لقادرون...}
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: فلا أقسم بربّ مشارق الأرض ومغاربها" إنّا لَقادِرُونَ على أنْ نُبَدّلَ خَيْرا مِنْهُمْ "يقول: إنا لقادرون على أن نهلكهم، ونأتي بخير منهم من الخلق يطيعونني ولا يعصونني.
"وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ" يقول تعالى ذكره: وما يفوتنا منهم أحد بأمر نريده منه، فيعجزنا هربا.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
ذكر المشارق والمغارب ذكر السماوات والأرض، وفي ذكرهما ذكر أهل السماوات والأرضيين، فيكون معناه: فلا أقسم برب الخلائق أجمع. ويكون حرف: لا زائدا في الكلام تأكيدا للقسم على ما يذكر، فيكون معناه: فلأقسم.
وفي الآية دلالة على أن ملك السماوات والأرضيين ومدبرهما واحد.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
قرأ الجمهور: «فلا أقسم» وذلك على أن تكون «لا» زائدة، أو تكون رداً لفعل الكفار وقولهم ثم يقع الابتداء بالقسم. وقرأ قوم من القراء «فلأقسم» دون ألف مفردة،
و {المشارق والمغارب} هي مطالع الشمس والقمر وسائر الكواكب وحيث تغرب، لأنها مختلفة عند التفضيل فلذلك جمع، وقرأ عبد الله بن مسلم وابن محيصن: «برب المشرق والمغرب» على الإفراد، ومتى ورد «المشرق والمغرب»، وهي عبارة عن موضع الشروق وموضع الغروب بجملته وإن كان يتفصل بالصاد، ومتى ورد المشرقان والمغربان فهي عبارة عن طرفي مواضع الشروق وطرفي موضع الغروب.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
ثم قال: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} أي: الذي خلق السموات والأرض، وجعل مشرقا ومغربا، وسخر الكواكب تبدو من مشارقها وتغيب في مغاربها. وتقدير الكلام: ليس الأمر كما يزعمون أن لا معاد ولا حساب، ولا بعث ولا نشور، بل كل ذلك واقع وكائن لا محالة. ولهذا أتى ب "لا " في ابتداء القسم ليدل على أن المقسم عليه نفي، وهو مضمون الكلام، وهو الرد على زعمهم الفاسد في نفي يوم القيامة، وقد شاهدوا من عظيم قدرة الله تعالى ما هو أبلغ من إقامة القيامة، وهو خلق السموات والأرض، وتسخير ما فيهما من المخلوقات من الحيوانات والجمادات، وسائر صنوف الموجودات؛ ولهذا قال تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر: 57] وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأحقاف: 33]. وقال تعالى في الآية الأخرى: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 81، 82]. وقال هاهنا: {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ}
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
واستطرادا في تهوين أمرهم، وتصغير شأنهم، وتنكيس كبريائهم، يقرر أن الله قادر على أن يخلق خيرا منهم، وأنهم لا يعجزونه فيذهبون دون ما يستحقون من جزاء أليم: (فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون، على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين). والأمر ليس في حاجة إلى قسم. ولكن التلويح بذكر المشارق والمغارب، يوحي بعظمة الخالق. والمشارق والمغارب قد تعني مشارق النجوم الكثيرة ومغاربها في هذا الكون الفسيح. كما أنها قد تعني المشارق والمغارب المتوالية على بقاع الأرض. وهي تتوالى في كل لحظة. ففي كل لحظة أثناء دوران الأرض حول نفسها أمام الشمس يطلع مشرق ويختفي مغرب... وأيا كان مدلول المشارق والمغارب، فهو يوحي إلى القلب بضخامة هذا الوجود، وبعظمة الخالق لهذا الوجود. فهل يحتاج أمر أولئك المخلوقين مما يعلمون إلى قسم برب المشارق والمغارب، على أنه -سبحانه- قادر على أن يخلق خيرا منهم، وأنهم لا يسبقونه ولا يفوتونه ولا يهربون من مصيرهم المحتوم؟!.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والقَسَم بالله بعنوان ربوبيته المشارقَ والمغارب معناه: ربوبيته العالم كله لأن العالم منحصر في جهات شروق الشمس وغروبها. وجمع {المشارق والمغارب} باعتبار تعدد مطالع الشمس ومغاربها في فصول السنة فإن ذلك مظهر عجيب من مظاهر القدرة الإلهية والحكمةِ الربانية لدلالته على عظيم صنع الله من حيث إنه دال على الحركات الحافة بالشمس التي هي من عظيم المخلوقات، ولذلك لم يذكر في القرآن قسَم بجهة غير المشرق والمغرب دون الشمال والجنوب مع أن الشمال والجنوب جهتان مشهورتان عند العرب، أقسم الله به على سُنة أقسام القرآن. وفي إيثار {المشارق والمغارب} بالقسم بربها رَعي لمناسبة طلوع الشمس بعد غروبها لتمثيل الإِحياءِ بعد الموت.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
ثمّ يقول تعالى مؤكّداً ذلك: (فلا أُقسم بربّ المشارق والمغارب إنّا لقادرون على أن نبدل خيراً منهم وما نحن بمسبوقين). لعل هذه الجملة إشارة إلى أنّنا لسنا قادرين على أن نعيد لهم الحياة بعد الموت فحسب، بل إنّنا نستطيع أن نبدله إلى أكمل الموجودات وأفضلها، ولا يمنعنا من ذلك شيء. وعلى هذا فإنّ السياق هو إدامة لبحث المعاد، أو هو إشارة إلى أنّنا نهلككم جزاءً لأعمالكم ولا يمنعنا من ذلك شيء، ونستبدل بكم مؤمنين واعين، ليكونوا أنصاراً للنّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يضرّنا ذلك شيئاً، ولهذا إن كنّا نلح عليكم أن تؤمنوا فليس من باب العجز والاحتياج، بل من أجل تربية البشرية وهدايتها. يمكن أن يكون المراد ب (ربّ المشارق والمغارب) بأن اللّه الذي يقدر على أن يجعل للشمس العظيمة مشرقاً ومغرباً جديدين في كل يوم، ويكون بنظام دقيق من دون أية زيادة ونقصان مدى ملايين السنين قادر على أن يعيد الإنسان مرّة أُخرى إلى الحياة الجديدة ويستبدلهم بقوم أفضل منهم.
ملاحظة: ربّ المشارق والمغارب: قد يأتي تعبير المشرق والمغرب أحياناً بصيغة المفرد كالآية (115) من سورة البقرة: (وللّه المشرق والمغرب) وأحياناً بصيغة المثنى كما في الآية (17) من سورة الرحمن: (ربّ المشرقين وربّ المغربين) وأحياناً أُخرى بصيغة الجمع (المشارق والمغارب) كالآية التي هي مورد بحثنا. البعض من ذوي النظرات الضيقة يظنون تضاد هذه التعابير، في حين أنّها مترابطة، وكل منها يشير إلى بيان خاص، فالشمس في كلّ يوم تطلع من نقطة جديدة، وتغرب من نقطة جديدة أُخرى، وعلى هذا الأساس لدينا بعدد أيّام السنة مشارق ومغارب، ومن جهة أُخرى فإنّ من بين كل هذه المشارق والمغارب هناك مشرقان ومغربان ممتازان، إذ أن أحدهما يظهر في بدء الصيف أي الحد الأعلى لبلوغ ذروة ارتفاع الشمس في المدار الشمالي، والآخر في بدء الشتاء أي الحد الأدنى لنزول الشمس في المدار الجنوبي، (ويعبرون عن أحدهما بمدار «رأس السرطان»، وعن الآخر بمدار «رأس الجدي»،) وقد اعتمد على ذلك لأنّهما واضحان تماماً، بالإضافة إلى هذين المشرقين والمغربين الآخرين الّذَين سمّيا بالمشرق والمغرب والاعتداليان (وهو أوّل الربيع وأوّل الخريف، عند تساوي ساعات الليل والنهار في جميع الدنيا) ولذا ذهب البعض إلى هذا المعنى في تفسير الآية: «ربّ المشرقين والمغربين» وهو معنى مقبول أيضاً. وأمّا ما جاء بصيغة المفرد فإنّ المراد به ماهيته، لأنّ الملاحظ فيه أصل المشرق والمغرب بدون الالتفات إلى الأفراد، وبهذا الترتيب فإنّ لكلّ من العبارات المختلفة أعلاه مسألة تلفت نظر الإنسان إلى التغييرات المختلفة لطلوع وغروب الشمس، والتغيير المنتظم لمدارات الشمس.