{ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ } لأن الشيطان لا يدعو إلا إلى كل خصلة ذميمة فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك فإذا عصاه ، دعاه إلى الإسراف والتبذير . والله تعالى إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها ويمدح عليه ، كما في قوله عن عباد الرحمن الأبرار { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما }
ثم قال : منفرًا عن التبذير والسرف : { إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ } أي : أشباههم في ذلك .
وقال ابن مسعود : التبذير : الإنفاق في غير حق . وكذا قال ابن عباس .
وقال مجاهد : لو أنفق إنسان ماله كله في الحق ، لم يكن مبذرًا ، ولو أنفق مدًا في غير حقه كان تبذيرًا .
وقال قتادة : التبذير : النفقة{[17434]} في معصية الله تعالى ، وفي غير الحق وفي الفساد .
وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا لَيْث ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبى هلال ، عن أنس بن مالك أنه قال : أتى رجل من بني تميم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني ذو مال كثير ، وذو أهل وولد وحاضرة ، فأخبرني كيف أنفق وكيف أصنع ؟ فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تخرج الزكاة من مالك ، فإنها طهرة تطهرك ، وتصل أقرباءك ، وتعرف حق السائل والجار والمسكين{[17435]} " . فقال : يا رسول الله ، أقلل{[17436]} لي ؟ فقال : { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا } فقال :{[17437]} حسبي يا رسول الله ، إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله وإلى رسوله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم ، إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها ، فلك أجرها ، وإثمها على من بدلها " {[17438]} .
وقوله [ تعالى ]{[17439]} { إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ } أي : في التبذير والسفه وترك طاعة الله وارتكاب معصيته ؛ ولهذا قال : { وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا } أي : جحودًا ؛ لأنه أنكر نعمة الله عليه ولم يعمل بطاعته ؛ بل أقبل على معصيته ومخالفته .
وأما قوله إنّ المُبَذّرِينَ كانُوا إخْوَانَ الشّياطِينِ فإنه يعني : إنّ المفرّقين أموالهم في معاصي الله المنفقيها في غير طاعته أولياء الشياطين وكذلك تقول العرب لكلّ ملازم سنة قوم وتابع أثرهم : هو أخوهم وكانَ الشّيُطانُ لِرَبّهِ كَفُورا يقول : وكان الشيطان لنعمة ربه التي أنعمها عليه جحودا لا يشكره عليه ، ولكنه يكفرها بترك طاعة الله ، وركوبه معصيته ، فكذلك إخوانه من بني آدم المبذّرون أموالهم في معاصي الله ، لا يشكرون الله على نعمه عليهم ، ولكنهم يخالفون أمره ويعصُونه ، ويستنون فيما أنعم الله عليهم به من الأموال التي خوّلهموها وجل عزّ سنته من ترك الشكر عليها ، وتلقّيها بالكُفران . كالذي :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله إنّ المُبَذّرِينَ : إن المنفقين في معاصي الله كانُوا إخْوَانَ الشّياطينِ وكانَ الشّيْطانُ لرَبّهِ كَفُورا .
و «التبذير » إنفاق المال في فساد أو في سرف في مباح ، وهو من البذر ، ويحتمل قوله تعالى : { المبذرين } أن يكون اسم جنس ، ويحتمل أن يعني أهل مكة معينين ، وذكره النقاش ، وقوله تعالى : { إخوان } يعني أنهم في حكمهم ، إذ المبذر ساع في فساد والشيطان أبداً ساع في فساد ، و { إخوان } جمع أخ من غير النسب ، وقد يشذ ، ومنه قوله تعالى في سورة النور { أو إخوانهن أو بني إخوانهن }{[7533]} والإخوة جمع أخ في النسب وقد يشذ ، ومنه قوله تبارك وتعالى : { إنما المؤمنون إخوة }{[7534]} وقرأ الحسن والضحاك «إخوان الشيطان » على الإفراد ، وكذلك في مصحف أنس بن مالك ، ثم ذكر تعالى كفر الشيطان ليقع التحذير من التشبه به في الإفساد مستوعباً بيناً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.