اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلۡمُبَذِّرِينَ كَانُوٓاْ إِخۡوَٰنَ ٱلشَّيَٰطِينِۖ وَكَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لِرَبِّهِۦ كَفُورٗا} (27)

ثم نبه تعالى على قبح التبذير بإضافته إيَّاه إلى أفعال الشياطين ، فقال - جلَّ ذكره - : { إِنَّ المبذرين كانوا إِخْوَانَ الشياطين } والمراد من هذه الأخوة التشبيه بهم في هذا الفعل القبيح ؛ لأنَّ العرب يسمُّون الملازم للشيء أخاً له ، فيقولون : فلانٌ أخو الكرم والجود ، وأخو السَّفر ، إذا كان مواظباً على هذه الأفعال .

وقيل : قوله : { إِخْوَانَ الشياطين } أي : قرناءهم في الدنيا والآخرة كقوله تعالى { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرحمن نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [ الزخرف : 36 ] .

وقال تعالى : { احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ } [ الصافات : 22 ] أي : قرناءهم من الشياطين ، ثم قال تعالى : { وَكَانَ الشيطان لِرَبِّهِ كَفُوراً } أي : جحوداً للنِّعمة ؛ لأنه يستعمل بدنه في المعاصي والإفساد في الأرض ، والإضلال للنَّاس ، وكذلك من رزقه الله مالاً أو جاهاً ، فصرفه إلى غير مرضاة الله ، كان كفوراً لنعمة الله ؛ لأنَّه موافق للشياطين في الصِّفة والفعل ، ثم إن الشياطين كَفُورُونَ بربهم ، فكذلك المبذِّر أيضاً كفورٌ بربه .

قال بعض العلماء : خرجت هذه الآية على وفقِ عادة العرب ؛ لأنَّهم كانوا يجمعون الأموال بالنَّهب والغارة ، ثم ينفقونها في طلب الخيلاء والتفاخر ، وكان المشركون من قريشٍ وغيرهم ينفقون أموالهم ليصدُّوا عن الإسلام وتوهين أهله وإعانة أعدائه ، فنزلت هذه الآية تنبيهاً على قبح أفعالهم .