{ وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون } قال الكلبي ومقاتل : لا يصلون .
أخبرنا أبو عثمان إسماعيل الضبي ، أنبأنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ، حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، حدثنا أبو عيسى الترمذي ، حدثنا قتيبة ، حدثنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن عطاء بن مينا عن أبي هريرة قال : " سجدنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في { اقرأ باسم ربك } و{ إذا السماء انشقت } " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد ابن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا مسدد ، أنبأنا معمر قال : سمعت أبي قال حدثني بكر ، عن أبي رافع قال : " صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ { إذا السماء انشقت } فسجد فقلت : ما هذا ؟ قال : سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه " .
وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ? )وهو يخاطبهم بلغة الفطرة ، ويفتح قلوبهم على موحيات الإيمان ودلائله في الأنفس والآفاق .
ويستجيش في هذه القلوب مشاعر التقوى والخشوع والطاعة والخضوع لبارئ الوجود . . وهو " السجود " . .
إن هذا الكون جميل . وموح . وفيه من اللمحات والومضات واللحظات والسبحات ما يستجيش في القلب البشري أسمى مشاعر الاستجابة والخشوع .
وإن هذا القرآن جميل . وموح . وفيه من اللمسات والموحيات ما يصل القلب البشري بالوجود الجميل ، وببارئ الوجود الجليل . ويسكب فيه حقيقة الكون الكبيرة الموحية بحقيقة خالقه العظيم . . ( فما لهم لا يؤمنون ? وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ? ) . .
إنه لأمر عجيب حقا . يضرب عنه السياق ليأخذ في بيان حقيقة حال الكفار ، وما ينتظرهم من مآل :
وقوله : { فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ } أي : فماذا يمنعهم من الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر ؟ وما لهم إذا قرأت عليهم آيات الرحمن{[29901]} وكلامه - وهو هذا القرآن - لا يسجدون إعظاما وإكرامًا واحتراما ؟ .
وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون لا يخضعون أو لا يسجدون لتلاوته لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قرأ واسجد واقترب فسجد بمن معه من المؤمنين وقريش تصفق فوق رؤوسهم فنزلت واحتج به أبو حنيفة على وجوب السجود فإنه ذم لمن سمعه ولم يسجد وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه سجد فيها وقال والله ما سجدت فيها إلا بعد أن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها .
وقراءة القرآن عليهم قراءته قراءةَ تبليغ ودعوة . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عليهم القرآن جماعات وأفراداً وقد قال له عبد الله بن أبيّ بن سلول : « لا تَغْشَنا به في مجالسنا » وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على الوليد بن المغيرة كما ذكرناه في سورة عبس .
والسجود مستعمل بمعنى الخضوع والخشوع كقوله تعالى :
{ والنجم والشجر يسجدان } [ الرحمن : 6 ] وقوله : { يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل سجداً للَّه } [ النحل : 48 ] ، أي إذا قرىء عليهم القرآن لا يخضعون لله ولمعاني القرآن وحجته ، ولا يؤمنون بحقيته ودليل هذا المعنى مقابلته بقوله : { بل الذين كفروا يكذبون } [ الانشقاق : 22 ] .
وليس في هذه الآية ما يقتضي أنَّ عند هذه الآية سجدةً من سجود القرآن والأصحّ من قول مالك وأصحابه أنها ليست من سجود القرآن خلافاً لابن وَهب من أصحاب مالك فإنه جعل سجودات القرآن أربع عشرة . وقال الشافعي : هي سُنة . وقال أبو حنيفة : واجبة . والأرجح أن عزائم السجود المسنونة إحدى عشرة سجدة وهي التي رويت بالأسانيد الصحيحة عن الصّحابة . وإن ثلاث آيات غير الإِحدى عشرة آية رويت فيها أخبار أنها سجد النبي صلى الله عليه وسلم عند قراءتها منها هذه وعارضتها روايات أخرى فهي : إمّا قد تُرك سجودها ، وإمّا لم يؤكد ومنها قوله تعالى هنا : { وإذا قرىء عليهم القرآن لا يسجدون } . وقال ابن العربي السجود في سورة الانشقاق قول المدنيين من أصحاب مالك ا ه .
قلت : وهو قول ابن وهب ولا خصوصية لهذه الآية بل ذلك في السجدات الثلاث الزائدة على الإِحدى عشرة وقد قال مالك في « الموطأ » بعد أن رَوى حديث أبي هريرة : " الأمر عندنا أن عزائم السجود إحدى عشرة سجدة ليس في المفصل منها شيء " وقال أبو حنيفة والشافعي : سجدات التلاوة أربع عشرة بزيادة سجدة سورة النجم وسجدة سورة الانشقاق وسجدة سورة العلق . وقال أحمد : هن خمس عشرة سجدة بزيادة السجدة في آخر الآية من سورة الحجّ ففيها سجدتان عنده .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.