قوله تعالى : { لقد كان في يوسف وإخوته } ، أي : في خبره وخبر إخوته . وأسماؤهم : روبيل ، وقيل روبين بالنون وهو أكبرهم ، وشمعون ، ولاوي ، ويهوذا ، وزبالون ، وقيل : زبلون ، وآشر ، وأمهم ليا بنت لابان وهى ابنة خال يعقوب عليه السلام ، وولد له من سريتين له ، اسم إحداهما زلفة والأخرى بلهة أربعة أولاد : دان ، ونفتالي ، وقيل : نفتولي ، وجاد وأشير . ثم توفيت ليا ، فتزوج يعقوب عليه السلام أختها راحيل فولدت له يوسف وبنيامين . وقيل : وابن يامين ، فكان بنو يعقوب عليه السلام اثنى عشر رجلا .
قوله تعالى : { آيات } ، قرأ ابن كثير { آية }على التوحيد ، أي : عظة وعبرة ، وقيل : عجب . وقرأ الآخرون : { آيات } على الجمع .
قوله تعالى : { للسائلين } ، وذلك أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة يوسف عليه السلام . وقيل : سألوه عن سبب انتقال ولد يعقوب من كنعان إلى مصر . فذكر لهم قصة يوسف ، فوجدوها موافقة لما في التوراة فتعجبوا منها . فهذا معنى قوله : { آيات للسائلين } ، أي : دلالة على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : آيات للسائلين ولمن لم يسأل ، كقوله : { سواء للسائلين } [ فصلت-10 ] . وقيل : معناه عبرة للمعتبرين ، فإنها تشتمل على حسد إخوة يوسف ، وما آل إليه أمرهم في الحسد ، وتشتمل على رؤياه ، وما حقق الله منها ، وتشتمل على صبر يوسف عليه السلام عن قضاء الشهوة ، وعلى الرق وفى السجن ، وما آل إليه أمره من الملك ، وتشتمل على حزن يعقوب وصبره وما آل إليه أمره من الوصول إلى المراد وغير ذلك من الآيات .
{ 7 - 9 } { لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ }
يقول تعالى : { لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ ْ } أي : عبر وأدلة على كثير من المطالب الحسنة ، { لِلسَّائِلِينَ ْ } أي : لكل من سأل عنها بلسان الحال أو بلسان المقال ، فإن السائلين هم الذين ينتفعون بالآيات والعبر ، وأما المعرضون فلا ينتفعون بالآيات ، ولا في القصص والبينات .
القول في تأويل قوله تعالى : { لّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لّلسّائِلِينَ } .
يقول تعالى ذكره : { لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وإخُوَتِهِ } ، الأحد عشر ، { آياتٌ } ، يعني : عبرَ وذكر للسّائِلِينَ ، يعني : السائلين عن أخبارهم وقصصهم . وإنما أراد جلّ ثناؤه بذلك نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، وذلك أنه يقال : إن الله تبارك وتعالى إنما أنزل هذه السورة على نبيه يعلمه فيها ما لقي يوسف من إخوته وإذايته من الحسد ، مع تكرمة الله إياه ، تسلية له بذلك مما يلقى من أدانيه وأقاربه من مشركي قريش . كذلك كان ابن إسحاق يقول .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : إنما قصّ الله تبارك وتعالى على محمد خبر يوسف وبغي إخوته عليه وحسدهم إياه حين ذكر رؤياه ، لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بغي قومه وحسده حين أكرمه الله عزّ وجلّ بنبوّته ليتأسى به .
واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { آياتٌ للسّائِلِينَ } : فقرأته عامّة قرأة الأمصار : { آياتٌ } ، على الجماع . ورُوى عن مجاهد وابن كثير أنهما قرءا ذلك على التوحيد .
والذي هو أولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأ ذلك على الجماع ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه .
جملة ابتدائية ، وهي مبدأ القصص المقصود ، إذ كان ما قبله كالمقدمة له المنبئة بنباهة شأن صاحب القصة ، فليس هو من الحوادث التي لحقت يوسف عليه السّلام ولهذا كان أسلوب هذه الجملة كأسلوب القصص ، وهو قوله : { إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منّا } [ سورة يوسف : 8 ] نظير قوله تعالى : { إنْ يوحَى إليّ إلاّ أنّما أنا نذيرٌ مبينٌ إذ قال ربك للملائكة إنّي خالقٌ بشراً من طينٍ } [ سورة ص : 70 ، 71 ] إلى آخر القصة .
والظرفية المستفاد من { في } ظرفية مجازية بتشبيه مقارنة الدليل للمدلول بمقارنة المظروف للظرف ، أي لقد كان شأن يوسف عليه السّلام وإخوته مقارناً لدلائل عظيمة من العبر والمواعظ ، والتعريف بعظيم صنع الله تعالى وتقديره .
والآيات : الدلائل على ما تتطلب معرفته من الأمور الخفية .
والآيات حقيقة في آيات الطريق ، وهي علامات يجعلونها في المفاوز تكون بادية لا تغمرها الرمال لتكون مرشدة للسائرين ، ثم أطلقت على حجج الصدق ، وأدلة المعلومات الدقيقة . وجمع الآيات هنا مراعى فيه تعدّدها وتعدّد أنواعها ، ففي قصة يوسف عليه السّلام دلائل على ما للصّبر وحسن الطويّة من عواقب الخير والنصر ، أو على ما للحسد والإضرار بالنّاس من الخيبة والاندحار والهبوط .
وفيها من الدلائل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنّ القرآن وحي من الله ، إذ جاء في هذه السورة ما لا يعلمه إلاّ أحْبار أهل الكتاب دون قراءة ولا كتاب وذلك من المعجزات .
وفي بلاغة نظمها وفصاحتها من الإعجاز ما هو دليل على أنّ هذا الكلام من صنع الله ألقاه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم معجزة له على قومه أهل الفصاحة والبلاغة .
والسائلون : مراد منهم مَن يُتوقع منه السؤال عن المواعظ والحكم كقوله تعالى : { في أربعة أياممٍ سواءً للسائلين } [ سورة فصلت : 10 ] . ومثل هذا يستعمل في كلام العرب للتشويق ، والحثّ على تطلب الخبر والقصة . قال طرفة :
سائلوا عنّا الذي يعرفنا *** بقوانا يوم تحلاق اللمم
وقال السموءل أو عبد الملك الحارثي
سَلي إن جهلت الناسَ عنّا وعنهم *** فليس سواءً عالمٌ وجهول
طُلّقتِ إن لم تَسْألي أيُّ فارس *** حَليلك إذ لاَقَى صُداءً وخَثعما
فلمّا التقينا بين السّيف بيننا *** لسائلة عنا حَفي سؤالها
وأكثر استعمال ذلك في كلامهم يكون توجيهه إلى ضمير الأنثى ، لأنّ النساء يُعنين بالسؤال عن الأخبار التي يتحدث الناس بها ، ولمّا جاء القرآن وكانت أخباره التي يشوق إلى معرفتها أخبارَ علم وحكمة صُرف ذلك الاستعمال عن التوجيه إلى ضمير النسوة ، ووجّه إلى ضمير المذكّر كما في قوله : { سَأل سائلٌ بعذابٍ واقعٍ } [ سورة المعارج : 1 ] وقوله : { عَمّ يتساءلون } [ سورة النبأ : 1 ] .
وقيل المراد ب ( السائلين ) اليهود إذ سأل فريق منهم النبي عن ذلك . وهذا لا يستقيم لأنّ السورة مكيّة ولم يكن لليهود مخالطة للمسلمين بمكة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.