بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{۞لَّقَدۡ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخۡوَتِهِۦٓ ءَايَٰتٞ لِّلسَّآئِلِينَ} (7)

قوله تعالى : { لَّقَدْ كَانَ فِى يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ءايات لّلسَّائِلِينَ } قرأ ابن كثير : «آية » بلفظ الوحدان ، وهكذا قرأ مجاهد . يعني : فيه علامة لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وقرأ الباقون : «آيات » بلفظ الجماعة ، وهذا موافق لمصحف الإمام عثمان . حكى أبو عبيدة : أنه رأى في مصحف الإمام هكذا ، ومعنى الآية : أن في خبر يوسف ، وإخوته عبرة وموعظة لمن سأل عن أمرهم .

قال ابن عباس : وذلك أن حبراً من أحبار اليهود ، دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، وكان قارئاً للتوراة ، فوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة يوسف كما أنزلت في التوراة ، فقال له الحبر : يا محمد ، من علمكها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الله علمنيها " . فرجع الحبر إلى اليهود ، فقال لهم : أتعلمون ، والله إن محمداً يقرأ سورة يوسف كما أنزلت في التوراة ؟ فانطلق بنفرٍ منهم حتى جاؤوا ، ودخلوا عليه ، فجعلوا يستمعون إلى قراءته ، ويتعجبون ، فقالوا : يا محمد ، من علمكها ؟ قال : " الله علمنيها " ، فنزلت : { لَّقَدْ كَانَ فِى يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ءايات لّلسَّائِلِينَ } .

وكان بدء أمرهم أن يعقوب عليه السلام كان مع خاله ، وكان لخاله ابنتان إحداهما «لايا » ، ويقال : «لاواه » ، وهي أكبرهما ، والأخرى «راحيل » وهي أصغرهما ، فخطب يعقوب إلى خاله بأن يزوجه إحداهما ، فقال له خاله : هل لك مال ؟ قال : لا ولكن أعمل لك . قال : صداقها أن ترعى لي سبع سنين . وفي بعض الروايات ، قال : أن تخدمني سبع سنين . فقال يعقوب : أخدمك سبع سنين ، على أن تزوجني راحيل ، وهي شرطي ، قال : ذلك بيني وبينك ، فرعى له يعقوب سبع سنين ، فلما قضى الأجل زفت إليه الكبرى ، وهي لايا . قال يعقوب : إنك خدعتني ، وإنما أردت راحيل ، فقال له خاله : إنا لا ننكح الصغيرة قبل الكبيرة ، فهلمَّ فاعمل لي سبع سنين أخرى ، أزوجك أختها ، وكان الناس يجمعون بين الأختين ، إلى أن بعث الله موسى عليه السلام .

فرعى له سبع سنين ، فزوجه راحيل ، فجمع بينهما ، وكان خاله حين جهزها دفع إلى كل واحدة منهما أمة تخدمها ، فوهبتا الأمتين ليعقوب . فولدت لايا أربعة بنين ، وولدت راحيل اثنين ، وولدت كل واحدة من الأمتين ثلاثة بنين ، فجملة بنيه اثنا عشر سوى البنات .

قال الفقيه أبو الليث : سمعت أهل التوراة يقولون إن أسماء أولاد يعقوب مبينة في التوراة : روبيل ، وشمعون ، ويهوذا ، ولاوي ، فهؤلاء من امرأته لايا . ويوسف ، وبنيامين ، من امرأته الأخرى راحيل . والستة الباقون من الأمتين : خورية ، وبالعربية يساخر ، وزبلون وبالعربية زبالون ، ودون ، ونفتال ، وحوذ وبالعربية حاذ ، وروى بعضهم : خاذ بالخاء ، وأوشر . فأراد يعقوب أن يخرج إلى بيت المقدس ، ولم يكن له نفقة ، وكان ليوسف خال له أصنام من ذهب ، فقالت لايا ليوسف : اذهب واسرق من أصنامه ، فلعلنا نستنفق به .

فذهب يوسف فأخذها ، وكان يوسف أعطف على أبيه ، وكان أحب أولاده إليه . فحسده إخوته مما رأوا من حب أبيه له .