معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلۡأٓخِرَةِ وَأَتۡرَفۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يَأۡكُلُ مِمَّا تَأۡكُلُونَ مِنۡهُ وَيَشۡرَبُ مِمَّا تَشۡرَبُونَ} (33)

قوله تعالى : { وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة } أي المصير إلى الآخرة ، { وأترفناهم } نعمناهم ووسعنا عليهم ، { في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون } أي : مما تشربون منه .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلۡأٓخِرَةِ وَأَتۡرَفۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يَأۡكُلُ مِمَّا تَأۡكُلُونَ مِنۡهُ وَيَشۡرَبُ مِمَّا تَشۡرَبُونَ} (33)

{ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } أي : قال الرؤساء الذين جمعوا بين الكفر والمعاندة ، وأطغاهم ترفهم في الحياة الدنيا ، معارضة لنبيهم ، وتكذيبا وتحذيرا منه : { مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ } أي : من جنسكم { يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ } فما الذي يفضله عليكم ؟ فهلا كان ملكا لا يأكل الطعام ، ولا يشرب الشراب .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلۡأٓخِرَةِ وَأَتۡرَفۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يَأۡكُلُ مِمَّا تَأۡكُلُونَ مِنۡهُ وَيَشۡرَبُ مِمَّا تَشۡرَبُونَ} (33)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَ الْمَلاُ مِن قَوْمِهِ الّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذّبُواْ بِلِقَآءِ الاَخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَياةِ الدّنْيَا مَا هََذَا إِلاّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمّا تَشْرَبُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وقالت الأشراف من قوم الرسول الذي أرسلنا بعد نوح . وعَنَى بالرسول في هذا الموضع : صالحا ، وبقومه : ثمود . الّذِينَ كَفَرُوا وكَذّبُوا بِلِقاءِ الاَخِرَةِ يقول : الذين جحدوا توحيد الله وكَذّبُوا بِلِقَاءِ الاَخِرَةِ يعني كذّبوا بلقاء الله في الاَخرة . وقوله : وأَتْرَفْناهُمْ فِي الحَياةِ الدّنيْا يقول : ونعّمناهم في حياتهم الدنيا بما وسّعنا عليهم من المعاش وبسطنا لهم من الرزق ، حتى بَطِروا وعَتَوْا على ربهم وكفروا ومنه قول الراجز :

*** وَقَدْ أُرَانِي بالدّيارِ مُتْرَفا ***

وقوله : ما هَذَا إلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يقول : قالوا : بعث الله صالحا إلينا رسولاً من بيننا ، وخصه بالرسالة دوننا ، وهو إنسان مثلنا يأكل مما نأكل منه من الطعام ويشرب مما نشرب ، وكيف لم يرسل ملَكا من عنده يبلغنا رسالته ؟ قال : وَيَشَرِبُ مِمّا تَشْرَبُونَ معناه : مما تشربون منه ، فحذف «من » الكلام «منه » ، لأن معنى الكلام : ويشرب من شرابكم ، وذلك أن العرب تقول : شربت من شرابك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلۡأٓخِرَةِ وَأَتۡرَفۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يَأۡكُلُ مِمَّا تَأۡكُلُونَ مِنۡهُ وَيَشۡرَبُ مِمَّا تَشۡرَبُونَ} (33)

عُطفت حكاية قول قومه على حكاية قوله ولم يؤت بها مفصولة كما هو شأن حكاية المحاورات كما بيناه غير مرة في حكاية المحاورات ب ( قال ) ونحوها دون عطف . وقد خولف ذلك في الآية السابقة للوجه الذي بيناه ، وخولف أيضاً في سورة الأعراف وفي سورة هود إذ حكي جواب هؤلاء القوم رسولَهم بدون عطف .

ووجه ذلك أن كلام الملأ المحكيَّ هنا غير كلامهم المحكي في السورتين لأن ما هنا كلامهم الموجَّه إلى خطاب قومهم إذ قالوا : { ما هذا إلا بشر مثلُكم يأكل مما تأكلون منه } إلى آخره خشيةً منهم أن تؤثر دعوة رسولهم في عامتهم ، فرأوا الاعتناء بأن يحولوا دون تأثر نفوس قومهم بدعوة رسولهم أولى من أن يجاوبوا رسولهم كما تقدم بيانه آنفاً في قصة نوح .

وبهذا يظهر وَجه الإعجاز في المواضع المختلفة التي أورد فيها صاحب « الكشاف » سؤالاً ولم يكن في جوابه شافياً وتحيّر شراحه فكانوا على خلاف .

وإنما لم يعطف قول الملأ بفاء التعقيب كما ورد في قصة نوح آنفاً لأن قولهم هذا كان متأخراً عن وقت مقالة رسولهم التي هي فاتحة دعوته بأن يكونوا أجابوا كلامه بالرد والزجر فلما استمر على دعوتهم وكررها فيهم وجهوا مقالتهم المحكية هنا إلى قومهم ومن أجل هذا عطفت جملة جوابهم ولم تأت على أسلوب الاستعمال في حكاية أقوال المحاورات .

وأيضاً لأن كلام رسولهم لم يُحك بصيغة القول بل حكي ب ( أنْ ) التفسيرية لِمَا تضمنه معنى الإرسال في قوله : { فأرسلنا فيهم رسولاً منهم أن اعبدوا الله } [ المؤمنون : 32 ] .

وقد حكى الله في آيات أخرى عن قوم هود وعن قوم صالح أنهم أجابوا دعوة رسولهم بالرد والزجر كقول قوم هود { قالوا يا هود ما جئتنا بِبَيِّنَة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء } [ هود : 53 ، 54 ] ، وقول قوم صالح { قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوًّا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب } [ هود : 62 ] .

وقولُه { وقال الملأ من قومه الذين كفروا } { الذين كفروا } نعت ثان ل { الملأ } فيكون على وزان قوله في قصة نوح { فقال الملأ الذين كفروا من قومه } [ المؤمنون : 24 ] . وإنما أخر النعت هنا ليتصل به الصفتان المعطوفتان من قوله : { وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم } .

واللقاء : حضور أحد عند آخر . والمراد لقاء الله تعالى للحساب كقوله تعالى : { واعلموا أنكم ملاقوه } في سورة البقرة ( 223 ) وعند قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا لَقِيتُم فِئَةً فاثبتوا } في سورة الأنفال ( 45 ) .

وإضافة { لقاء } إلى { الآخرة } على معنى ( في ) أي اللقاء في الآخرة .

والإتراف : جعلهم أصحاب ترف . والترف : النعمة الواسعة . وقد تقدم عند قوله : { وارْجِعُوا إلى ما أترِفْتم فيه } في سورة الأنبياء ( 13 ) .

وفي هذين الوصفين إيماء إلى أنهما الباعث على تكذيبهم رسولَهم لأن تكذيبهم بلقاء الآخرة ينفي عنهم توقع المؤاخذة بعد الموت ، وثروتهم ونعمتهم تغريهم بالكبر والصلف إذ ألِفوا أن يكونوا سادة لا تبعاً ، قال تعالى : { وذَرْني والمكذّبين أولي النعمة } [ المزمل : 11 ] ، ولذلك لم يتقبلوا ما دعاهم إليه رسولهم من اتقاء عذاب يوم البعث وطلبهم النجاة باتباعهم ما يأمرهم به فقال بعضهم لبعض { ولئن أطَعْتُم بشراً مثلكم إنكم إذاً لخاسرون أيَعِدُكم أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً أنكم مُخْرَجون } .

و { ما هذا إلا بشر مثلكم } كناية عن تكذيبه في دعوى الرسالة لتوهمهم أن البشرية تنافي أن يكون صاحبها رسولاً من الله فأتوا بالملزوم وأرادوا لازمه .

وجملة { يأكل مما تأكلون منه } في موقع التعليل والدليل للبشرية لأنه يأكل مثلهم ويشرب مثلهم ولا يمتاز فيما يأكله وما يشربه .

وحذف متعلق { تشربون } وهو عائد الصلة للاستغناء عنه بنظيره الذي في الصلة المذكورة قبلها .