اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلۡأٓخِرَةِ وَأَتۡرَفۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يَأۡكُلُ مِمَّا تَأۡكُلُونَ مِنۡهُ وَيَشۡرَبُ مِمَّا تَشۡرَبُونَ} (33)

قوله : «وقَالَ الملأُ » قال الزمخشري : فإنْ قُلْتَ : ذكر مقالة قوم هود في جوابه في سورة الأعراف ، وسورة هود بغير واو ، { قَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ }{[32651]} [ الأعراف : 66 ] { قَالُواْ ( يا هود مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ ) } {[32652]} {[32653]} [ هود : 53 ] . وههنا مع الواو ، فأيّ فرق بينهما ؟ قُلْتُ : الذي بغير واو على تقدير سؤال سائل قال : فماذا قيل له ؟ فقيل له : قالوا : كيت وكيت ، وأمّا الذي مع الواو فعطف لما قالوه على ما قاله{[32654]} ، ومعناه أنه{[32655]} اجتمع في الحصول ، ( أي في هذه الواقعة في ){[32656]} هذا الكلام{[32657]} الحق وهذا ( الكلام ) {[32658]} الباطل وشتان{[32659]} ما بينهما{[32660]} قال شهاب الدين : ولقائل أن يقول : هذا جواب بنفس الواقع ، والسؤال باق ، إذ يحسن أن يقال : لِمَ لا جعل{[32661]} هنا قولهم أيضاً جواباً لسؤال سائل كما في نظيرتها أو عكس الأمر{[32662]} .

قوله { وَكَذَّبُواْ بِلِقَاءِ الآخرة } أي : بالمصير إلى الآخرة «وأَتْرَفْنَاهُم » نعمناهم ووسعنا عليهم { فِي الحياة الدنيا مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ } وقد تقدم شرح هذه الشبهة في القصة الأولى{[32663]} { وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ } أي : منه ، فحذف العائد لاستكمال شروطه ، وهو اتحاد{[32664]} الحرف ، والمتعلق ، وعدم قيامه مقام مرفوع ، وعدم ضمير آخر{[32665]} ، هذا إذا جعلناها بمعنى الّذي ، فإن جعلتها مصدراً لم تحتج إلى عائد ، فيكون{[32666]} المصدر واقعاً موقع المفعول . أي : من مشروبكم{[32667]} .

وقال في التحرير{[32668]} : وزعم الفراء أن معنى «مِمَّا تَشْرَبُونَ » على حذف أي : تشربون منه{[32669]} . وهذا لا يجوز عند البصريين ، ولا يحتاج إلى حذف ألبتة ، لأن ( ما ) إذا كانت مصدراً لم تحتج إلى عائد ، فإن جعلتها بمعنى الذي حذفت العائد ، ولم تحتج إلى إضمار ( من ) {[32670]} يعني : أنه يقدر تشربونه من غير حرف{[32671]} جر ، وحينئذ تكون شروط الحذف أيضاً موجودة{[32672]} ولكن تفوت المقابلة إذ قوله : «تَأْكُلُونَ مِنْهُ » فيه تبعيض ، فلو قدرت هنا تشربونه من غير ( من ) فاتت المقابلة . ثم إن قوله : وهو لا يجوز عند البصريين ممنوع ، بل هو جائز لوجود شرط الحذف .


[32651]:[الأعراف: 66].
[32652]:[هود: 52].
[32653]:ما بين القوسين تصويب من الكشاف، هو في النسختين: ما نراك إلا بشار مثلنا.
[32654]:في ب: ما قاله الرسول.
[32655]:أنه: سقط من ب.
[32656]:ما بين القوسين ليس في نص الزمخشري، وإنما هو من كلام ابن عادل.
[32657]:ما بين القوسين ليس في نص الزمخشري، وإنما هو من كلام ابن عادل.
[32658]:ما بين القوسين ليس في نص الزمخشري، وإنما هو من كلام ابن عادل.
[32659]:وشتان: سقط من ب.
[32660]:الكشاف 3/47.
[32661]:في ب: يجعل.
[32662]:الدر المصون: 5/86.
[32663]:وهي قصة نوح.
[32664]:في ب: اتخاذ. وهو تصحيف.
[32665]:انظر شروط حذف العائد المجرور بحرف في شرح الكافية 2/42 – 43، شرح التصريح 1/147، الهمع 1/60.
[32666]:في ب: ويكون.
[32667]:انظر مشكل إعراب القرآن 2/107، البيان 2/173، البحر المحيط 6/404.
[32668]:كتاب التحرير هو أحد مصادر أبي حيان في كتابه البحر المحيط، فإنه قال (واعتمدت في أكثر نقول كتابي هذا على كتاب التحرير والتحبير لأقوال أئمة التفسير من جمع شيخنا الصالح القدوة الأديب، جمال الدين أبي عبد الله محمد بن سليمان بن حسن بن حسين المقدسي، عرف بابن النقيب – رحمه الله تعالى – إذ هو أكبر كتاب رأيناه صنف في علم التفسير، يبلغ في العدد مائة سفر أو يكاد) البحر المحيط 1/11.
[32669]:معاني القرآن للفراء 2/234.
[32670]:انظر البحر المحيط 6/404.
[32671]:حرف: سقط من ب.
[32672]:وهي كون العائد المنصوب متصلا، وناصبه فعل تام، أو وصف غير صلة (أل) وأن يكون متعينا للربط. انظر شرح التصريح 1/144- 145.