الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلۡأٓخِرَةِ وَأَتۡرَفۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مَا هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يَأۡكُلُ مِمَّا تَأۡكُلُونَ مِنۡهُ وَيَشۡرَبُ مِمَّا تَشۡرَبُونَ} (33)

قوله : { مِمَّا تَشْرَبُونَ } : أي : منه ، فَحَذَفَ العائدَ لاستكمالِ شروطِه وهو : اتِّحادُ الحرفِ والمتعلَّقِ ، وعدمُ قيامِه مقامَ مرفوع ، وعدمُ ضميرٍ آخرَ . هذا إذا جَعَلْناها بمعنى الذي فإنْ جَعَلْتَها مصدراً لم تَحْتج إلى عائدٍ ، ويكونُ المصدرُ واقعاً موقعَ المفعولِ أي : مِنْ مَشْروبكم . وقال في التحرير : " وزعم الفراء أنَّ معنى " ما تَشْربون " على حذفٍ أي : تشربون منه .

وهذا لا يجوز عند البصريين ، ولا يَحْتَاج إلى حَذْفٍ البتةَ لأنَّ " ما " إذا كانَتْ مصدريةً لم تحتجْ إلى عائدٍ ، فإنْ جعلتَها بمعنى الذي حَذَفْتَ العائدَ ، ولم يُحْتَجْ إلى إضمار " مِنْ " . يعني أنَّه يُقَدَّرُ : تَشْربونه من غيرِ حرفِ جرّ ، وحينئذٍ تكون شروطُ الحذفِ أيضاً موجودةً ، ولكنه تَفُوْتُ المقابلةُ إذ قولُه { تَأْكُلُونَ مِنْهُ } فيه تبعيضٌ ، فَلَوْ قَدَّرْتَ هذا : تشربونه مِنْ غير " مِنْ " فاتَتْ المقابلةُ . ثم إنَّ قولَه : " وهو لا يجوز عند البصريين " ممنوع بل هو جائزٌ لوجود شروطِ الحذف .