{ وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا } أي : بساتين ملتفة ، فيها من جميع أصناف الفواكه اللذيذة .
فالذي أنعم عليكم بهذه النعم العظيمة{[1336]} ، التي لا يقدر قدرها ، ولا يحصى عددها ، كيف [ تكفرون به و ] تكذبون ما أخبركم به من البعث والنشور ؟ ! أم كيف تستعينون بنعمه على معاصيه وتجحدونها ؟ "
وقوله : وَجَنّاتٍ ألْفافا يقول : ولنخرج بذلك الغيث جنات وهي البساتين وقال : وجنات ، والمعنى : وثمر جنات ، فترك ذكر الثمر استغناء بدلالة الكلام عليه من ذكره . وقوله : ألْفافا يعني : ملتفة مجتمعة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وجَنّاتٍ أَلْفافا قال : مجتمعة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس وَجَنّاتٍ ألْفافا يقول : وجنات التفّ بعضها ببعض .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَجَنّاتٍ ألْفافا قال : ملتفة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَجَنّاتٍ ألْفافا قال : التفّ بعضها إلى بعض .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله وَجَنّاتٍ ألْفافا قال : التفّ بعضها إلى بعض .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان وَجَنّاتٍ ألْفافا قال : ملتفة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَجَنّاتٍ ألْفافا قال : هي الملتفة ، بعضها فوق بعض .
واختلف أهل العربية في واحد الألفاف ، فكان بعض نحويّي البصرة يقول : واحدها : لَفّ . وقال بعض نحويّي الكوفة : واحدها : لَفّ ولفيف قال : وإن شئت كان الألفاف جمعا ، واحده جمع أيضا ، فتقول : جنة لفّاء ، وجنات لَفّ ، ثم يجمع اللّفّ ألفافا .
وقال آخر منهم : لم نسمع شجرة لفة ، ولكن واحدها لفاء ، وجمعها لفّ ، وجمع لفّ : ألفاف ، فهو جمع الجمع .
والصواب من القول في ذلك أن الألفاف جمع لَفّ أو لفيف ، وذلك أن أهل التأويل مجمعون على أن معناه : ملتفة ، واللّفاء : هي الغليظة ، وليس الالتفاف من الغلظ في شيء ، إلاّ أن يوجه إلى أنه غلظ الالتفاف ، فيكون ذلك حينئذٍ وجها .
فذكر الله تعالى موضع المنفعتين و { ألفافاً } جمع لُف بضم اللام ، ولف جمع لفاء . والمعنى ملتفات الأغصان والأوراق ، وذلك موجود مع النضرة والري ، وقال جمهور اللغويين { ألفافاً } جمع لِفّ بكسر اللام ، واللف : الجنة الملتفة بالأغصان ، وقال الكسائي : { ألفافاً } ، جمع لفيف . وقد قال الشاعر : [ الطويل ]
أحابيش ألفاف تباين فرعهم . . . وجذمهم عن نسبة المتقرب{[11568]} .
ووجه إيثار لفظ { جنات } أن فيه إيماء إلى إتمام المنة لأنهم كانوا يحبون الجنات والحدائق لما فيها من التنعم بالظِّلال والثمار والمياه وجمال المنظر ، ولذلك أتبعت بوصف { ألفافاً } لأنه يزيدها حسناً ، وإن كان الفلاحون عندنا يفضلون التباعد بين الأشجار لأن ذلك أوفر لكمية الثمار لأن تباعدها أسعد لها بتخلل الهواء وشعاع الشمس ، لكن مساق الآية هنا الامتنان بما فيه نعيم الناس .
وألفاف : اسم جمع لا واحد له من لفظه وهو مثل أوزاع وأخياف ، أي كل جنة ملتفة ، أي ملتفة الشجر بعضه ببعض .
فوصف الجنات بألفَاف مبنيّ على المجاز العقلي لأن الالتفاف في أشجارها ولكن لما كانت الأشجار لا يَلتفّ بعضها على بعض في الغالب إلا إذا جمعتها جنة أسند ألفاف إلى جنات بطريق الوصف .
ولعله من مبتكرات القرآن إذ لم أر شاهداً عليه من كلام العرب قبل القرآن .
وقيل : ألفاف جمع لِفّ بكسر اللام بوزن جِذْع ، أي كل جنة منها لف بكسر اللام ولم يأتوا بشاهد عليه . وذكر في « الكشاف » أن صاحب « الإقليد »{[441]} ذكر بيتاً أنشده الحسن بن علي الطوسي{[442]} ولم يعزه إلى قائل . وفي « الكشاف » زعم ابن قتيبة{[443]} : أنه لَفَّاءُ ولُفُّ ثم ألفاف ( أي أن ألفافاً جمع الجمع ) قال : « وما أظنه واجداً له نظيراً » أي لا يجمع فُعْل جمعاً على أفعال ، أي لا نظير له إذ لا يقال خُضر وأخضار وحُمر وأحمار . يريد أنه لا يخرّج الكلام الفصيح على استعمال لم يثبت ورود نظيره في كلام العرب مع وجود تأويل له على وجه وارد .
فكان أظهر الوجوه أن { ألفافاً } اسم جمع لا واحد له من لفظه .
وبهذا الاستدلال والامتنان ختمت الأدلة التي أقيمت لهم على انفراد الله تعالى بالإلهية وتضمنت الإِيماء إلى إمكان البعث وما أدمج فيها من المنن عليهم عساهم أن يذكروا النعمة فيشعروا بواجب شكر المنعم ولا يستفظعوا إبطال الشركاء في الإلهية وينظروا فيما بلغهم عنه من الإِخبار بالبعث والجزاء فيصرفوا عقولهم للنظر في دلائل تصديق ذلك .
وقد ابتدئت هذه الدلائل بدلائل خلق الأرض وحالتها وجالت بهم الذكرى على أهم ما على الأرض من الجماد والحيوان ، ثم ما في الأفق من أعراض الليل والنهار . ثم تصاعد بهم التجوال بالنظر في خلق السماوات وبخاصة الشمس ثم نُزل بهم إلى دلائل السحاب والمطر فنزلوا معه إلى ما يخرج من الأرض من بدائع الصنائع ومنتهى المنافع فإذا هم ينظرون من حيث صَدروا وذلك من رد العجز على الصدر .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يعني وبساتين ملتفة بعضها إلى بعض من كثرة الشجر...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
ولنخرج بذلك الغيث جنات وهي البساتين وقال: وجنات، والمعنى: وثمر جنات، فترك ذكر الثمر استغناء بدلالة الكلام عليه من ذكره. وقوله: ألْفافا يعني: ملتفة مجتمعة...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
وإنما قال (جنات) لأن الشجر يجنها أي يسترها و (الألفاف) الأخلاط المتداخلة يدور بعضها على بعض...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ووجه إيثار لفظ {جنات} أن فيه إيماء إلى إتمام المنة لأنهم كانوا يحبون الجنات والحدائق لما فيها من التنعم بالظِّلال والثمار والمياه وجمال المنظر، ولذلك أتبعت بوصف {ألفافاً} لأنه يزيدها حسناً، وإن كان الفلاحون عندنا يفضلون التباعد بين الأشجار لأن ذلك أوفر لكمية الثمار لأن تباعدها أسعد لها بتخلل الهواء وشعاع الشمس، لكن مساق الآية هنا الامتنان بما فيه نعيم الناس.
وألفاف: اسم جمع لا واحد له من لفظه وهو مثل أوزاع وأخياف، أي كل جنة ملتفة، أي ملتفة الشجر بعضه ببعض.
فوصف الجنات بألفَاف مبنيّ على المجاز العقلي لأن الالتفاف في أشجارها ولكن لما كانت الأشجار لا يَلتفّ بعضها على بعض في الغالب إلا إذا جمعتها جنة أسند ألفاف إلى جنات بطريق الوصف.
ولعله من مبتكرات القرآن إذ لم أر شاهداً عليه من كلام العرب قبل القرآن...
وبهذا الاستدلال والامتنان ختمت الأدلة التي أقيمت لهم على انفراد الله تعالى بالإلهية وتضمنت الإِيماء إلى إمكان البعث وما أدمج فيها من المنن عليهم عساهم أن يذكروا النعمة فيشعروا بواجب شكر المنعم ولا يستفظعوا إبطال الشركاء في الإلهية وينظروا فيما بلغهم عنه من الإِخبار بالبعث والجزاء فيصرفوا عقولهم للنظر في دلائل تصديق ذلك.
وقد ابتدئت هذه الدلائل بدلائل خلق الأرض وحالتها وجالت بهم الذكرى على أهم ما على الأرض من الجماد والحيوان، ثم ما في الأفق من أعراض الليل والنهار. ثم تصاعد بهم التجوال بالنظر في خلق السماوات وبخاصة الشمس ثم نُزل بهم إلى دلائل السحاب والمطر فنزلوا معه إلى ما يخرج من الأرض من بدائع الصنائع ومنتهى المنافع فإذا هم ينظرون من حيث صَدروا وذلك من رد العجز على الصدر.